محمد بن هانئ بن محمد بن سعدون الأزدي الأندلسي, أبو القاسم يتصل نسبه بالمهلب بن أبي صفرة. وكان أشعر المغاربة على الإطلاق, وهو عندهم كالمتنبي عند أهل المشرق, وكانا متعاصرين.
ولد ابن هانئ بإشبيلية وحظي عند صاحبها, واتهمه أهلها بمذهب الفلاسفة. وفي شعره نزعة إسماعيلية بارزة, فأساؤا القول في ملكهم بسببه, فأشار عليه بالغيبة, فرحل إلى أفريقيا والجزائر. ثم اتصل بالمعز الفاطمي, وأقام عنده في المنصورية بقرب القيروان, ولما رحل المعز إلى مصر, عاد ابن هانئ إلى إشبيلية, فقتل غيلة, لما وصل إلى (برقة).
وورد في "وفيات الأعيان" لابن خلكان: هو أبو القاسم وأبو الحسن, محمد بن هانىء الأزدي الأندلسي الشاعر المشهور; قيل إنه من ولد يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي, وقيل بل هو من ولد أخيه روح بن حاتم .. . وكان أبوه هانئ من قرية من قرى المهدية بأفريقية, وكان شاعرا أديبا, فانتقل إلى الأندلس, فولد له بها محمد المذكور بمدينة إشبيلية ونشأ بها واشتغل, وحصل له حظ وافر من الأدب وعمل الشعر فمهر فيه, وكان حافظا لأشعار العرب وأخبارهم, واتصل بصاحب إشبيلية وحظي عنده, وكان كثير الانهماك في الملاذ متهما بمذهب الفلاسفة; ولما اشتهر عنه ذلك نقم عليه أهل إشبيلية, وساءت المقالة في حق الملك بسببه, واتهم بمذهبه أيضا, فأشار الملك عليه بالغيبة عن البلد مدة ينسى فيها خبره, فانفصل عنها وعمره يومئذ سبعة وعشرون عاما .
وخلاصة الأمر أنه خرج إلى عدوة المغرب, ولقي القائد الفاطمي جوهرا, فامتدحه ثم ارتحل إلى يحيى بن علي ... فنمي خبره إلى المعز أبي تميم معد بن المنصور الفاطمي ... فطلبه, فلما انتهى إليه بالغ في الإنعام عليه.
ثم توجه المعز إلى الديار المصرية, فشيعه ابن هانئ, ورجع إلى المغرب لأخذ عياله والالتحاق به, فتجهز وتبعه, فلما وصل إلى برقة أضافه شخص من أهلها, فأقام عنده أياما ... وأصبح ميتا, ولم يعرف سبب موته.وقيل إنه وجد في سانيه من سواني برقة مخنوقا بتكة سراويله, وكان ذلك في بكرة يوم الأربعاء لسبع ليال بقين من رجب سنة اثنتين وستين وثلاثمائة, وعمره ست وثلاثون سنة, وقيل اثنتان وأربعون, رحمه الله تعالى ".
ولما بلغ المعز وفاته, وهو بمصر, تأسف عليه كثيرا, وقال: "هذا الرجل كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق, فلم يقدر لنا ذلك".
وله في المعز المذكور غرر المدائح ونخب الشعر, فمن ذلك قصيدته النونية التي أولها:
هل من أعقه عالج يبرين أم منهما بقر الحدوج العين
ولمن ليال ما ذككنا عهدها مذ كن إلا أنهن شجون
المشرقات كأنهن كواكب والناعمات كأنهن غصون
بيض وما ضحك الصباح, وإنها بالمسك من طرر الحسان لجون
أدمى لها المرجان صفحة خده وبكى عليها اللؤلؤ المكنون
أعدى الحمام تأوهي من بعدها فكأنه فيما سجعن رنين
بانوا سراعا للهوادج زفرة مما رأين وللمطي حنين
فكأنما صبغوا الضحى بقبابهم أو عصفرت فيه الخدود جفون
ماذا على حلل الشقيق لو أنها عن لابسيها في الخدود تبين
فلأعطشن الروض بعدهم ولا يرويه لي دمع عليه هتون
أأforaten.net/?foraten.net/?foraten.net/? لحظ العين بهجة منظر وأخونهم? إني إذن لخؤون
لا الجو جو مشرق ولو اكتسى زهرا, ولا الماء المعين معين
لايبعدن إذ العبير له ثرى والبان دوح والشموس قطين
حزني لذاك الجو وهو أسنة وكناس ذاك الخشف وهوعرين
هل يدنيني منه أجرد سابح مرح وجائله النسوع امون
ومهند قيه الفرند كأنه ردء له خلف الغرار كمين
عضب المضارب مقفر من أعين لكنه من أنفس مسكون
قد كلن رشح حديده أجلا, وما صاغت مضاربه الرقاق قيون
وكأنما يلقى الضريبة دونه بأس المعز أو اسمه المخزون
وله أيضا:
والله لولا أن يسفهني الهوى ويقول بعض القائلين تصابى
لكسرت دملجها بضيق عناقه ورشفت من فيها البرود رضابا
وفي هذا الأنموذج دلالة على علو درجته وحسن طريقته. وديوانه كبير, ولولا ما فيه من الغلو في المدح والإفراط المفضي إلى الكفر لكان من أحسن الدواوين, وليس في المغاربة من هو في طبقته: لا من متقدميهم ولا من متأخريهم, بل هو أشعرهم على الإطلاق, وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة, وكانا متعاصرين, وإن كان في المتنبي مع أبي تمام من الاختلاف مافيه.
ويقال إن أبا العلاء المعري كان إذا سمع شعر ابن هانئ يقول: ما أشبهه إلا برحى تطحن قرونا, لأجل القعقعة التي في ألفاظه, ويزعم أنه لاطائل تحت تلك الألفاظ, ولعمري ما أنصفه في هذا المقال, وما حمله على هذا فرط تعصبه للمتنبي, وبالجملة فما كان إلا من المحسنين في النظم, والله أعلم.
|
|
|