+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 4 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 11 إلى 20 من 44

الموضوع: وقفة عند أسرار الولاية للأستاذ بناهيان

  1. #11
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غسان الحنين مشاهدة المشاركة
    شكرا على الفكر الرائع
    شكرا جزيلا
    أحمد الله على هذا التوفيق وكون الموضوع قد نال إعجابكم
    تقبلوا تحياتي


  2. #12
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 8

    الفصل الثاني: بيد من نضع هذه السلطة المطلقة؟

    بالرغم من أننا بصدد مناقشة ضرورة تدخل الإرادة الإلهية في عملية السيطرة على السلطة المركزية، ولكن في بداية الأمر لابدّ لنا أن ننظر إلى ما يجري في الأوساط السياسية في العالم. نعن نعيش في زمن أهمل فيه موضوع ضرورة تدخل الإرادة الإلهية في عملية السيطرة على السلطة المركزية. من هذا المنطلق نحن في بداية الأمر نطرح جوابا نقضيا لهذا الموضوع وهو أنه هل بإمكان الناس أن يتصدّوا لمراقبة السلطة المركزية أم لا؟ وفي تكملة البحث نعمد إلى دراسة ضرورة تدخل الله في مراقبة هذه السلطة.

    عدم تمكّن الناس من مراقبة السلطة المركزية

    إن كنت متابعا لهذا البحث إلى الآن، يفترض أنك قد وافقتنا في أنه مع وجود هذا النظام التسخيري وتبلور مختلف القوى، لابدّ من وجود سلطة مركزية قوية لتراقب هذه القوى المتناثرة وتقف أمام الظلم وباقي التداعيات التي يؤدي إليها هذا النظام التسخيري بطبيعة الحال.
    قد يقول قائل سلّمنا لما طُرح لحدّ الآن، ولكن ما الإشكال في ما إذا تمّ تعيين وانتخاب هذه السلطة المركزية من قبل الناس أنفسهم؟ حيث يستطيع الناس أن يعالجوا تداعيات النظام التسخيري من خلال تشريع القوانين وانتخاب قائد عادل وعالم، ويوفروا بهذا الأسلوب مقدمات بلوغ الإنسان إلى أهدافه السامية. نحن في هذا المقطع من الأبحاث نحاول أن نطرح مختلف الاحتمالات وندرس مدى إمكان مراقبة الناس للسلطة المركزية.
    منذ بداية تاريخ البشر كان الطريق الوحيد لمراقبة القوة هو النظام الملكي المستبدّ. أما في القرنين الأخيرين عندما أدرك الإنسان إشكالات هذا الأسلوب في مراقبة القوة، بدأ باختيار البديل فتمخض منهجان وأسلوبان في الحكومة وكلّ واحد منهما يختلف عن الآخر تماما. أحدهما هو النظام «الشيوعي» الذي يؤكد على أصالة المجتمع ولا يعترف بأي ملكية للفرد، والآخر هو النظام «الديمقراطي» الذي يؤكد على أصالة الفرد وملكيته. فباعتبار أن النظام الشيوعي قد انتهى شوطه و لا مدافع له اليوم تقريبا، فلا ضرورة لنقده ومناقشته.
    بطبيعة الحال إن كنا بصدد مناقشة فكرة السيطرة على السلطة المركزية عن طريق الناس أنفسهم، لابدّ لنا أن نأتي إلى «الديمقراطية» بصفتها آخر إنجاز للإنسان والتي يعبّر عنها مفكرو الغرب بنهاية التاريخ. ولکن بما أنه هناك احتمالات أخرى يمكن أن نفترضها لفكرة مراقبة الناس للسلطة المركزية، نشير في بداية الأمر إلى أسلوب إشراف فرد واحد على السلطة المركزية، ثم نطرح بعض النقاط بالنسبة إلى مراقبة القانون لهذه السلطة وفي آخر المطاف نناقش الديمقراطية كآخر حلّ توصّل إليه الإنسان في هذا المسار.

    نقد حكومة الفرد على الشعب (الديكتاتورية)

    إن أسلوب حكومة الفرد على الشعب غير قابل للتبرير، وقد أدرك الناس جميعا بطلان هذا الأسلوب في إدارة البلد. يشمل هذا الأسلوب نظام الشمولية والديكتاتورية كما يشمل الأنظمة الملكية. ليس هناك نقاش في الحكومات الديكتاتورية والشمولية أبدا، والبلدان الخاضعة للنظام الملكي هي على قسمين لا ثالث لهما: فإما أن يكون منصب الملك أو الملكة في هذه البلدان منصبا تشريفيا كما هو الحال في بريطانيا؛ وإما أن يكون في معرض اعتراض شعبي واسع كما هو الحال بالنسبة إلى كثير من البلدان العربية.
    فبغض النظر عن مَلَل الناس من هذا النوع من النظام وعدم تقبلهم له، سؤالنا الأساسي هو أنه من أين يحصل أحد ما على حق الحكومة على الناس؟ بعبارة أخرى، ما هو مبدأ مشروعية حكومة فرد من الناس على غيره؟ وكما تعلمون ليس هناك أي جواب مقنع عن هذا السؤال.
    ومن جانب آخر، ما هو الضمان على أن هذه السلطة قادرة على الوقوف أمام التداعيات السلبية للنظام التسخيري؟ ثم على فرض أنها استطاعت أن تقف أمام فساد باقي القوى، فكيف الأمر بالنسبة إليها بالذات؟ هل بإمكانها أن تقف أمام فساد نفسها أيضا؟ فهذه مشكلة تورّط بها جميع طواغيت التاريخ. فإن الطواغيت المستبدين وإن كانوا قادرين على تقييد مختلف القوى الصغيرة والكبيرة في المجتمع ولكنهم كانوا يتحولون إلى ظالم عظيم يمارس الظلم بدلا عن جميع القوى الأخرى. ونظرا إلى وضوح بطلان هذا المنهج نكتفي بهذا القدر من مناقشته.

    يتبع إن شاء الله...


  3. #13
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 9

    حكومة القانون

    قد يقول قائل بأنا نعترف بأصل النظام التسخيري كما نعترف بتعارض القوى وكذلك نقرّ بضرورة وجود سلطة مركزية، ولكن ما الداعي من تمثّل هذه السلطة بفرد واحد، إذ هناك خيار آخر وهو أن تتمثل هذه السلطة المركزية بـ«القانون» ونجعل القانون مسيطرا على باقي القوى.
    لا نريد حاليا أن نبحث عن الأسس التي اعتمدت في تدوين القانون؛ هل تم تدوينه على أساس العقل الجمعي البشري، أم على أساس أحد الأديان السماوية، أو قد وضعه عدد من العلماء الجامعيين أو تم تدوينه عن طرق أخرى. دعنا عن هذا الموضوع فلا نريد التطرق إليه، ولكن ما نريد طرحه هو أنه هل هذا أمر ممكن أساسا أم لا؟
    القانون سواء أكان جيدا أم سيئا، يحتاج تنفيذه إلى منفذّين يتصدون لمسؤولية تنفيذه. لا يقدر أيّ قانون على ضمان صحّة المجتمع من دون وجود منفّذين مخلصين. فإذن ألا يُحتمل لهذا القانون وإن كان قانونا جيدا متكاملا، أن يصبح ملعبة بيد أصحاب القدرة والثروة؟ خاصة وإن القانون غير قادر على الدفاع عن نفسه. ولهذا مع أنه في جميع بلدان العالم يتمّ اختيار القضاة من بين الأشخاص المعتمدين والمخلصين، ولكن مع ذلك يتمّ تعيين مراقبين ومشرفين ليراقبوا مدى تنفيذ القضاة للقانون.
    ومن جانب آخر هناك مئات الطرق للالتفاف حول القوانين ولا سيما القوانين التي دوّنها الإنسان. فإن أراد أمرء أن يظلم ابن بلدته أو زوجه أو جيرانه أو زميله... فهناك طرق شتى يستطيع أن يجدها فرارا من القانون. فعلى سبيل المثال هل يمكن الوقوف أمام ظلم المرأة للرجل في أجواء الأسرة من خلال وضع القانون؟ فإن كان القانون قادرا على معالجة هذه المشكلة، فلماذا يشقّ الجميع على أنفسهم في سبيل الحصول على الزوج الصالح؟ لماذا لا يقدم أحد على الزواج مع أيٍّ كان اعتمادا على القانون وقدرته على حل المشاكل إن حدثت؟ لأنّ القانون ليس بضمان لسلامة الأسرة. فكيف يمكن للقانون الذي غير قادر على ضمان سلامة الأسرة بوحده، أن يضمن سلامة المجتمع؟
    ولا بأس أن نستطرد الكلام إلى هذا السؤال؟ هل من الصحيح أن تقيّد حياة الإنسان بهذا الكم الهائل من القوانين؟ هل يحتاج المجتمع المثالي إلى هذا القدر من القوانين؟ فيفترض على هذا الأساس أنه سوف يتنفس المجتمع في زمن إمام العصر (عج) عن ركام هذه القوانين. إن لم يسرق أحد في المجتمع فما الداعي من وجود هذا العدد من مراكز الشرطة والسيطرات والمحكمات وغيرها؟ و أساسا ليس من الصحيح في المجتمعات الإنسانية أن ندع كل الأمور إلى القانون. إن هذا العمل يهين كرامة الإنسان. إن تحميل عدد كبير من المسؤوليات على القانون بمعنى ذبح الأخلاق، فهل هذا من الصحيح؟

    نقد حكومة الشعب على الشعب (الديمقراطية)

    كما مرّ سابقا، إن مناقشة إمكان إدارة المجتمع وإشراف الناس على السلطة المركزية يقتصر على دراسة ومناقشة نظرية «الديمقراطية»، إذ أن باقي أساليب حكومة الشعب على الشعب فقدت مقبوليتها ولا مدافع عنها حتى نقوم بمناقشتها. فلم يبق من تلك الأشكال سوى الديمقراطية التي سبقت الميدان في أكثر بقاع العالم بادعاء أنها تؤمّن سعادة الناس وتأخذ بيدهم إلى نيل حقوقهم ومطالباتهم.
    إن الديمقراطية بصفتها آخر نموذج لأسلوب الحكومة وإدارة المجتمع والتي عبّر عنها بعض المفكّرين بأنها حصيلة تجربة الإنسان منذ آلاف السنين في قضية الحكومة وإدارة البلاد، قد شهدت تطورا واسعا في القرن الأخير إلى أن أصبحت اليوم تدّعي ظاهرة العولمة والقرية العالمية. ومع ذلك لم يدعّ المفكرون الغربيون بعدم وجود ثغرة ونقص في هذا الأسلوب. يقولون وإن كان هذا الأسلوب قد ينطوي على بعض الإشكالات ولكن لابدّ لنا من تقبله مع إشكالاته، إذ ليس لنا أيّ بديل عن هذا الأسلوب مضافا إلى أن فيه امتيازات كثيرة.
    كلامنا هو أنه من قال لكم بعدم وجود خيار آخر لإدارة المجتمعات الإنسانية؟ إذ أن هناك نموذج راق جدا لإدارة المجتمع وهو خال عن كل هذه التداعيات والسلبيات الموجودة في باقي الأساليب الحكومية كما تراعى فيه حقوق الإنسان بشكل كامل، وهو عبارة عن «نموذج الولاية» في إدارة المجتمع.
    قبل أن نبدأ بتعريف نموذج الولاية وبيان أسلوب الولاية في إدارة المجتمع، لابدّ أن نلقي نظرة إلى الديمقراطية وإشكالاتها الخفية والجلية التي يؤول إليها هذا الأسلوب. ومن هذا المنطلق نتناول في بادئ ذي بدء موضوع مشروعية حكومة الشعب على الشعب، ثم نتطرق إلى أدوات قدرة هذا النظام وسيطرته (الأحزاب والإعلام)، وبعد ذلك نشير إلى خداع النظام الديمقراطي وحيله التي يمارسها خلف ستار الصداقة والصراحة، وأخيرا نستعرض أنواع الظلم الخفي الذي يمارسه هذا النوع من الحكم.

    يتبع إن شاء الله...
    .

  4. #14
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 10

    منطق حكومة الشعب على الشعب

    السؤال الأول الذي لابد أن يجاب عنه بشأن الديمقراطية هو أنه هل يحق للناس أساسا أن يتحكموا في شؤونهم ومصيرهم؟ هل أن الله الذي خلق الناس وأرسل إليهم الأنبياء لهدايتهم وإيصالهم إلى الكمال المطلوب، قد سمح لهم بالتحكّم في مصيرهم؟
    ولابدّ لكل متدين بدين ما أن يجيب عن هذا السؤال، وإن لم يجد جوابا صحيحا عنه فلا داعي لمواصلة البحث. ولكن بما أنّا أخذنا على أنفسنا أن نناقش الموضوع بلا تقيّد بنطاق الدين، فنغض الطرف عن جواب هذا السؤال وننتقل إلى السؤال الثاني وهو ما هو المنطق الذي ارتكزت عليه حكومة الشعب على الشعب؟ وقد أجيب عن هذا السؤال وقيل إنه «منطق حكومة الأغلبية على الأقلية». ولكن هناك سؤال آخر يطرح نفسه وهو ما الدليل على ضرورة اتباع جميع الناس لأغلب الناس؟ حيث إن هذا الأسلوب يمثل نوعا من أنواع الدكتاتورية أيضا وهو الدكتاتورية الاجتماعية. لماذا يجب على الأقلية أن تتبع الأغلبية وتستسلم لمطالبهم ومصالحهم؟ وما الحلّ في ما لو أراد الأغلبية أن يضطهد الأقلية طمعا بمصالحهم؟ فهل علينا أن نستسلم لهذا المنطق؟
    نعم، إن اتباع الأغلبية في سبيل تحقيق «النظام والترتيب» أسلوب لا بأس به، ولكنه لا يوجد «حقا». فعلى سبيل المثال لقد طرحت «اتفاقية حقوق المرأة»1 في الأوساط الدولية، واعترف بها أكثر بلدان العالم، فهل نستطيع استنتاج صحة هذه الاتفاقية وأحقيتها بسبب اعتراف الأكثرية بها؟ فهل علينا أن نقرّ بها بمجرّد قبول الأغلبية.
    لا يعطي الإسلام أية موضوعية للأغلبية، والمهمّ عنده هو تطابق أو عدم تطابق مطالبة الأغلبية مع الأحكام الإلهية، من خلال الآية 116 من سورة الأنعام التي يحذر فيها الله نبيّه من اتباع الأغلبية والآيات الأخرى التي تعتبر أكثر الناس «لا يؤمنون»، «لا يعلمون»، «لا يشكرون» إلى غيرها من الآيات،2 قد نستطيع أن نخرج بنتيجة وهي أساسا لا يعطي الله أية موضوعية وأي موقع للأغلبية بمعنى الأغلبية في المجتمع الدولي.
    إن أساس تشكيل الحكومات مرتكز على الوقوف أمام الظلم في هذا النظام التسخيري. طيّب، فإذا قامت الديمقراطية بممارسة الظلم مستندة إلى منطق حاكمية الأغلبية على الأغلبية، فمن الذي يقف أمامها حينئذ؟ يقول الغربيون: في سبيل الوقوف أمام الظلم في الإطار الذي ترسمه الديمقراطية، هناك آليّتان قويتان تحت عنوان «الأحزاب» و «الإعلام». إذن نحاول أن ندرس ونناقش هذه الآليتين بشكل مستقل، لنقيّم مدى صحة هذا الإدعاء.

    يتبع إن شاء الله ...




    .1 «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» هي اتفاقية دوليّة أقرّت في تاريخ 18 ديسمبر 1979 في المجمع العام للأمم المتحدة وقد وقع عليها جميع الدول أعضاء الأمم المتحدة ما عدى إيران والصومال والسودان والسودان الجنوبية وتونغا. إن ملخص مضمون هذه الاتفاقية التي تمثل أهم اتفاقية دولية بشأن التمييز الجنسي، عبارة عن القضاء على جميع أنواع التمييز بين المرأة والرجل في كافة المجالات. إن بعض بنود هذه الاتفاقية تتعارض مع صريح أحكام الأسلام من قبيل: المساواة بين الرجل والمرأة في الدية والإرث، إعطاء حق الطلاق للنساء، حق النساء في تعدد الأزواج، إباحة المثلية للنساء، وشرعية ممارسة الدعارة كشغل معترف به و... .
    .2به‌عنوان نمونه: اعراف،187؛ هود،17؛ یوسف،21؛ روم،6 و...


  5. #15
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي

    شكرا جزيلا لكم
    تقبلوا تحياتي


  6. #16
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 11

    نقد موقع «الأحزاب» في الديمقراطية

    الحلّ الذي طرحه المفكّرون الغربيون في سبيل السيطرة على هذا النظام التسخيري في إطار النظام الديمقراطي، هو منافسة الأحزاب. يقول هؤلاء عندما تتبلور قوى متعددة في المجتمع تحت عنوان الأحزاب وتتنافس مع بعض لكسب آراء الشعب، حينئذ وفي مسار هذا التنافس يراقب كلّ حزب، الآخر مخافة أن تضيع حقوق الشعب. فعلى سبيل المثال عندما يكسب حزب «أ» الأراء ويتكئ على أريكة السلطة، تقوم باقي الأحزاب ولا سيما حزب «الباء» الذي يعدّ المنافس الأول له، بمراقبة دائمة لأداء حزب «أ»، فبمشاهدة أقلّ زلة وخطأ من هذا الحزب الحاكم، يذيعون الخبر ويعيدون حقوق الشعب إليهم.
    هناك عدة إشكالات على هذه الرؤية فنشير إلى بعضها. الإشكال الأول الذي لم يخفَ عن بعض علماء الغرب، هو أنه نظرا إلى وجود المجتمعات المتطورة وأنواع المعاملات المعقّدة التي تمارَس بين هذه المجتمعات بشكل واسع، لا سبيل للإشراف والمراقبة الكاملتين أبدا. أجل، لو كانت المجتمعات محافظة على طابعها التقليدي القديم، ولم يتعدّ نطاق اتصالات الإنسان عما كان عليه قبل مئة سنة، فلعلنا نقتنع بإمكان هذه المراقبة الكاملة، ولكن في هذه الظروف التي نعيشها فلا معنى بعد لهذه المراقبة.
    ومضافا إلى ذلك، بعض ممارسات المدراء وأصحاب المناصب في المجتمع مما لا يمكن مراقبتها. فعلى سبيل المثال افترض أن رئيس البلدية قد نزل ضيفا في بيت ابن خالته. وبالمناسبة في نفس اليوم كان قد تمّ التصويب على مشروع تعريض أحد الشوارع في المدينة. فماذا سيحدث إن أعطى هذا الرئيس خبر مشروع تعريض الشارع لابن خالته الذي يعمل في بيع وشراء الأراضي والعقارات؟ وهل قد ارتكب رئيس البلدية جريمة أم لا؟ وهل يمكن إدانة هذا الرئيس في إحدى المحكمات؟ من هذا المنطلق نقول أن الإشراف والمراقبة الكاملة والدقيقة على أصحاب القوة في المجتمع أمر خارج عن قدرة الأحزاب.
    ومن جانب آخر، كثير من المعاملات والأحداث السياسية والاقتصادية التي تجري اليوم في الأوساط الدولية، هي مسائل تخصصية؛ بحيث يتعذّر على نوّاب المجلس (الذين هم أعضاء في الأحزاب) وعلى باقي مسؤولي الأحزاب فهمها وإدراك أبعادها. فعلى سبيل المثال اليوم، تحرّر كثير من العقود الاقتصادية الضخمة باللغة الإنجليزية وباستخدام مصطلحات فنية خاصة. طيب، فإذا كان نائب المجلس لا يعرف اللغة الانجليزية، كيف يستطيع أن يقيّم العقد وويشخص صحته أو سقمه؟ قد يقول قائل: إذن نختار النواب من ذوي الشهادات العليا، ولكن مع ذلك لا تنحل المشكلة. وذلك بسبب عدم وجود من كان متخصصا في كافة المجالات؟
    وبغض النظر عن كل هذه الإشكالات، ما الضمان على عدم تواطؤ الأحزاب معا؟ فعلى سبيل المثال افترض أن رئيس البلدية الذي هو من حزب «أ»، قد استغل منصبه واختلس أموالا بالغة. ثم يطّلع حزب «الباء» على هذا الخبر ويعمد على كشف اللثام عنه. فكيف إذا قال لهم رئيس البلدية بأنه سوف يعطيهم نصف المال شريطة أن يطمّوا الخبر؟ إذن من الذي يستطيع أن يستوفي حقوق الشعب؟
    وحتى لو تركنا هذا الإشكال، أساسا إنّ الأحزاب لا يمثلون الشعب حتى يراعوا حقوقه. لقد تمخضت الأحزاب من تبلور القوى. حيث إن القوى هي التي تنتج الأحزاب ولا الشعب. ليس للشعب سوى أن يختار أحد الأحزاب اضطرارا كما لا سبيل له للسيطرة والإشراف عليهم.1

    يتبع إن شاء الله...



    1 تأييدا لهذا الكلام لا بأس أن نشير إلى الاحتجاجات التي باتت تخرج على أعتاب كل دورات الانتخابات لرئاسة الجمهورية في أمريكا مطالبة بالخلاص والتحرّر عن نظام الحزبين الأمريكي. وبالمناسبة كان أحد أهم مطالبات الحركة التي انطلقت في عام 2011 تحت شعار «احتلوا وول استريت» هي هذه القضية.


  7. #17
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 12

    نقد موقع «الإعلام» في الديمقراطية

    الآلية الثانية التي أريد منها أن تكون ضمانا بإشرافها ومراقبتها على عدم ضياع حقوق الشعب في الأنظمة الديمقراطية، هي «الإعلام». بمعنى أن الإعلام باعتباره مراقبا واعيا، يرصد على الدّوام سلوك وتصرفات منتخبي الشعب، ولا يسمح بتضييع حقوقه. وبالمناسبة لقد صرف البلدان الغربية مبالغ باهضة في سبيل إقناع الشعب على أن الإعلام هو الملجأ والملاذ الوحيد لإحقاق حقوقه. ومن هذا المنطلق، في أكثر الأفلام التي تحاول أن تنقد أصحاب القوى، يأتي مراسل أو صحفي في آخر المطاف فيكشف الستار عن الأسرار والخفايا ويُزيل العوائق بين الحقيقة وبين أنظار الشعب. إن هذا الأسلوب في كتابة السناريوهات، إنما هو من أجل أن تثق الشعوب بانحياز وسائل الإعلام إليهم وليتسنى بعد ذلك لأصحاب القدرة والثروة أن يسيطروا على الشعوب عبر وسائل الإعلام.
    إن الإعلام في هذا الزمان لا أنه لا يؤمّن مصالح الشعب وحسب، بل إن أكثر دوره يصبّ في تأمين مصالح أصحاب رؤوس الأموال والمادّين أيدهم على أموال الناس من وراء الكواليس. إن أكثر نشاط الإعلام اليوم يصبّ في تدمير النظام التسخيري لا السيطرة والإشراف عليه. وأساسا من هم أصحاب الإعلام في العالم؟ ومن هم أصحاب الأحزاب في العالم؟ إن جواب كلا السؤالين واحد: وهم «أصحاب رؤوس الأموال». إذا كان أصحاب رؤوس الأموال هم على رأس قائمة مالكي وسائل الإعلام، فكيف نتوقع من الإعلام أن يصبح مدافعا عن حقوق الشعوب؟!
    ومضافا إلى هذه المسائل، يأتي في هذا المقام كلّ ما ذكرناه بشأن الأحزاب. أساسا هل بإمكان الأعلام أن يشرف على جميع ممارسات السياسيين وأصحاب المناصب على مختلف أبعادها وأشكالها؟ ومن جانب آخر، ما هو الضمان على عدم تواطؤ هذه الوسائل الإعلامية مع السياسيين الفاسدين؟
    بشكل عام، لا يمكن أبدا أن نعتبر وسائل الإعلام تحكي عن واقع المجتمع كما هو عليه. فإن ما تبثّه وسائل الإعلام وتلقيه على الناس إنما هو متناغم مع مصالح أصحاب هذه الوسائل ولا مصالح الناس. وأساسا لا يمكن لهذه الوسائل أن تكشف الستار عن حقائق المجتمع بغضّ النظر عن مصالح أربابها.
    فعلى أساس مجموع هذه المسائل يمكن أن نخرج بهذه النتيجة وهي أن السيطرة والرقابة البشرية على حركة الحياة وتطبيق قواعد النظام التسخيري بشكل صحيح وسليم، أمر لا سبيل إليه، سواء أكان المراقب فردا ديكتاتورا مستبدا أم مجموعة متعددة الأطراف تحت لواء الديمقراطية.

    يتبع إن شاء الله ...


  8. #18
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 13

    الخداع المغلّف بظواهر الصدق

    إن كلّ كيان الديمقراطية من ألفه إلى يائه قائم على أساس الخداع. واللطيف هو أن كثيرا ما يشرعن هذا الخداع والتضليل. من الظواهر التي لفتت أنظار الكثير من الناس تجاه الثقافة السائدة في الغرب، هي صدق الناس في البلدان الغربية. فكثيرا ما نسمع من هنا وهناك أن «صحیح أن الشعب الغربي لا يحظى بالدين والإيمان الصحيحين وقد لا تخلو ثقافتهم من بعض الثغور، بيد أن ثقافتهم قد انطوت على نقاط إيجابية كثيرة وحري بنا أن نتعلمها منهم»! وبعد ذلك يشير المتكلم إلى بعض المصاديق من قبيل الصدق والنظام والالتزام بأخلاقيات العمل، واحترام بعضهم البعض وغيرها. طبعا على أساس ما نعتقد به، لا تدلّ أيّة ظاهرة من أمثال هذه الظواهر التي أحصيت للشعب الغربي على حسنة لهذا الشعب، إذ لابدّ أن نلقي نظرة أعمق على الواقع السائد في العالم الغربي في سبيل تحليل سلوك شعبه، ولكن نسطّر بعض النقاط على هامش صدق الغربيّين بالتحديد:
    النقطة الأولى ترتبط بأصل وجود الصدق في الغرب. نحن لا ننكر أن الشعب الغربيّ قليل الكذب في التعامل مع بعض، ولكن هل لهذا الصدق دلالة على حسن ما؟ إن الجواب على هذا السؤال يقتضي مجالا آخرا، أما إذا أردنا أن نختصر الجواب في بضع جمل قصيرة، فنقول إن المجتمع الذي تفتتت فيه الحصون الأخلاقية ولا يحاسَب فيها أحد لإهماله لبعض القيم والمثل الأخلاقية، لا يبقى فيه دافع ومحفز للكذب بعد. فعلى سبيل المثال إن أخطأ ولد وارتكب خطيئة أو موبقة، فإن كان لا ينظر إليها كسيئة، ومن جانب آخر إن كان لا يحترم أباه ولا يستحيي منه شيئا، وفيما إذا علم أن أباه غير قادر على مؤاخذته على ما ارتكب، فما الداعي لأن يكذب عندئذ؟ فحينها سوف يرفع رأسه ويصارح أباه عن صدق وبكل فخر. فهل لهذا الصدق قيمة؟ طبعا كما ذكرنا آنفا، إن تحليل ظاهرة الصدق في الغرب بحاجة إلى مزيد من التعمّق والتدقيق الذي له مقامه الخاصّ به، ونحن في هذا المقام قد اقتصرنا على الإشارة إلى أحد أبعاد هذه الظاهرة.
    ثم نحن لا نؤمن بأن لا يكذب أحد على أحد هناك! نعم؛ إن ظاهرة الكذب غير متفشية في المجتمع، ولكنها لم تستأصل. كما نستطيع أن نشاهد أجلى صور الكذب في الغرب في كذب وخداع القادة السياسيين والحكّام في البلدان الغربية. سوف نتطرق إلى بعض نماذج هذا الخداع والتضليل في القسم القادم، ولكن هنا بودّي أن أثير انتباهكم إلى نقطة واحدة، وهي أن في الرؤية العلمانية التي تشكّل الخلفية النظرية للأنظمة الديمقراطية، لا مانع من استخدام الصدق في سبيل خداع الناس. وهذه إحدى ثغور الأنظمة الديمقراطية. فإن استطاع الحكّام أن ينالوا مطامعهم باستخدام الصدق، عند ذلك لا يمكن إدانتهم في أيّة محكمة. سوف يحتجّون بأنهم لم يكذبوا ولم يطرحوا سوى الحقيقة. وهنا ينبغي أن نكشف الستار عن بعض خفايا أسرار الولاية لنفهم حكمة صمت النبي (ص) وسكوت أمير المؤمنين (ع) عن إظهار بعض الحقائق.
    تذكّروا «سجن أبي غريب» كنموذج لما نحن فيه. إنه سجن يبعد عن بغداد بـ 32 كيلو متر وقد اشتهر اسمه لأول مرّة في زمن صدام حيث كان وكرا لتعذيب المتّهمين السياسيين ولاسيّما شيعة العراق. بعد ذلك وفي عام 2004م. نشرت بعض وسائل الإعلام الأمريكية صورا من مشاهد تعذيب السجناء العراقيين في هذا السجن وكان لها صدى عالمي كما أنها أثارت حفيظة الكثير من الشعوب ولا سيما المسلمين ضدّ الأمريكان. فإذا أردنا أن نفسّر سبب تلك الأحداث، حري بنا أن ننظر إليها بمزيد من التعمق والإمعان.
    لقد أذيعت تلك الصور عبر الإعلام الأمريكي آنذاك، وكانت تلك الفترة تشهد تبلور معارضة واسعة من قبل الشعب والكوادر العراقيين تجاه تواجد الأمريكان في العراق، وما أكثر المظاهرات والاحتجاجات التي كانت تخرج في مختلف مدن العراق ومحافظاتها ضدّ الأمريكان. فجاءت أمريكا بخطّة متمخظة من نتائج دراستها للشعب العراقي. إذ إنها كانت قد خرجت بهذه النتيجة آنذاك، وهي أنه لا يمكن السيطرة على الشعب العراقي إلا بالرعب، وهذا هو المنهج الذي كان قد اعتمده صدام طوال حكمه على العراق. فهم أرادوا أن يثيروا موجة من الرعب والخوف بين أبناء العراق ولا يخفى أن مبادرتهم لم تخل من التأثير في تلك الفترة. فأرادوا بهذا الصدق وهذه الصراحة أن يسيطروا على أبناء العراق حفاظا على بقائهم ودوام ظلمهم. فهل لهذا الصدق قيمة؟
    إن المهمّ الأول والأخير في الأنظمة الديمقراطية هو كسب آراء الناس، ولا بأس بسلوك أي طريق في سبيل نيل هذا الهدف. إن أصحاب الثروة والقدرة الذين قد مسكوا بزمام الأحزاب والدول المنبثقة من هذه الأحزاب، عادة ما يمارسون تضليل الفكر العام في سبيلهم الذي يخطوه إلى مقاصدهم. وكما أشرنا آنفا، أحد أساليب هذا التضليل والخداع هو الصدق والصراحة. إن الصدق لا يعتبر حسنا دائما. فإذا أراد أحد أو زمرة أن يحرفوا الفكر العام عن حقيقة مهمة جدا عن طريق الصدق والصراحة، فهذا الصدق هو عين الكذب والخيانة.
    فعلى سبيل المثال، في الانتخابات التي يتنافس فيها عدد من المرشحين من مختلف الأحزاب، لو قام أحد المرشحين قُبَيل انتهاء مهلة الدعاية الانتخابية بفضح ما وراء الكواليس، وقال إنّ كل هذه المنافسات لعبة وخداع، ونحن المرشحون وجوه لعملة واحدة وكلّ هذه المنافسات كانت مسرحية وحسب...، فيبدو أنه قد خدم شعبه بصدقه وصراحته، كما أن الشعب سوف يدلي بصوته لصالحه. أما لو كان المرشحون متفقين فعلا، وكان الجميع متورطين بملفات فسادٍ اقتصاديّ على وشك الفضيحة، فتواطؤوا لهذا السبب على أن يفضحهم هذا المرشّح في الساعات الأخيرة، ويمضي في سبيله بلا منازع لاستقطاب رأي الناخبين، وبذلك ينفسح المجال لباقي المرشحين أن يمدّوا أيدهم على حقوق الشعب وينالوا منه ما يشاءون بلا مهابة، فهل تبقى هذه الصداقة ذات قيمة وثمن. فمن هذا المنطلق نقول: «لا مانع في الديمقراطية من خداع الناس بالصدق والصراحة».

    يتبع إن شاء الله ...



  9. #19
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 14

    الظلم الكامن خلف قناع الديمقراطية

    كما مرّ مسبقا، إن الفوارق الموجودة بين الناس تنجرّ إلى تفوق بعضهم على بعض، وفي هذا المسار قد يستغلّ البعض تفوقهم ويؤدي بهم الأمر إلى الاعتداء على الآخرين. أحد السبل الذي كان يُسلك منذ القِدَم بغية السيطرة على الظلم، هو السيطرة على الظالمين بالظالمين، حيث كانت القوة الظالمة العليا تسيطر على باقي الظَلَمة. فكان هذا التنازع الحاصل بين القوى يؤدي إلى تحقّق التعادل بينهم.
    فعلى سبيل المثال، كل الناس كانوا يعلمون أن صدّام طاغوت ظالم، ولكنّ بعضهم كانوا قانعين بهذا الظلم ويقولون لولا وجوده لذهبت الأوضاع إلى الأسوأ. ففي الحقيقة أن الناس قد رضوا بالظلم «المنتظم»؛ وباعتقادهم إن لم تكن القوة المركزية ظالمة، سوف يتلقون الظلم من كلّ غاد وذاهب، أما إذا كانت هناك حكومة مركزية قوية، فسوف تقف أمام باقي الظلمة حتى وإن كانت هي ظالمة، وعند ذلك يواجه الشعب ظالما واحدا لا ظَلَمة عدّة. هذا هو ديدن الناس حيث إنهم إن عجزوا عن استئصال الظلم بأسره، يفضّلوا أن يكون الظلم منتظما غير مبعثر.
    ونفس هذه الحقيقة سارية في النظام الرأسمالي الغربي الآن. إن بعض الناس في الغرب غافلون عن مدى الظلم الذي يفرضه النظام الحكومي الديمقراطي، ولكن أولئك الذين أدركوا الظلم الذي لا ينفكّ عن هذا النظام قد ساوموه انطلاقا من وحي الرضا بالظلم المنتظم. إن أصل النظام الرأسمالي هو ظلم بحدّ ذاته، لا أنه جيّد ولكن يمارس الظلم فيه. كلا، إن نفس هذا النظام هو ظلم.
    بما أنه قد تجاوز عقل الإنسان مرحلة البساطة والسذاجة وإلى جانب هذا النضج قد كثرت أدوات الاتصال والإعلام، فلا سبيل لأغلب الحكّام بعد إلى أساليب السلطة الظالمة بلا قناع وستار. فمن هذا المنطلق وفي سبيل التعرّف على النظام الظالم الذي يسود الأنظمة الديمقراطية في عالم الغرب، لابد من تسليط الأضواء على قضيتين؛ إحداهما هي تعاطي منهج «الخداع والتضليل» في هذا النظام، والأخرى هي «الظلم الخفيّ» الذي لا ينفكّ عن الديمقراطية.
    لقد أصبحت وسائل الإعلام اليوم أحد أركان الديمقراطية وأحيانا تسمى بالركن الرابع لها. [1] إن دور الإعلام الرئيس في النظام الديمقراطي ليس هو التداول الحرّ للمعلومات، بل هو خداع الناس. و لا يحتاج تصديق هذه الحقيقة أكثر من إلقاء نظرة بسيطة. من هم أصحاب وسائل الإعلام في هذا العالم الحرّ؟ من الذين يديرون يديرون وكالات الأنباء المعتبرة في العالم؟ من هم أصحاب أسهم الإذاعات والقنوات التلفزيونية والفضائيات؟ فإذا أجبنا عن هذه الأسئلة سندرك بكل بساطة أنّ نبْضَ المعلومات في شرايين الإعلام هو بيد أقليّة من الناس، وهي التي لها دور مهمّ في مقدّرات الدول.
    الدول الغربية اليوم، تخبّئ أنواع ظلمها غبر سلطتهم الإعلامية وعن طريق تضليل شعوبهم وخداع الرأي العام. ما كان انطباع الشعوب الغربية عن هجوم أمريكا على أفغانستان والعراق؟ لقد بلغت الأغلبية الساحقة من الشعب الأمريكي بعد ما توالى عليهم إعلامهم بقصف المعلومات بلا انقطاع، إلى هذه القناعة وهي أن السبيل الوحيد للتخلص من الإرهاب والحصول على حياة هادئة بلا إزعاج، هو اقتلاع جذور الإرهاب في أفغانستان والعراق بالحرب. أما اليوم وبعد مضيّ نيف و شر سنين من واقعة 11 سبتمبر، كشف الغطاء عن أبصار الشعب الأمريكي وأدرك خداع رجاله، وعليه فلا يمرّ اسبوع إلّا وتخرج فيه مظاهرات من إحدى أرجاء الإيالات المتحدة مطالبة بإيقاف الحروب.
    لا تقتصر أنواع الظلم في النظام الديمقراطي على أشكال الظلم التي تفرض بالخداع والتضليل على الشعب، بل ينطوي هذا النظام على أشكال أخرى من الظلم الخفيّ الذي يعجز عن إدراكه كثير من الناس. لا ينبغي الاكتفاء بإحصاء المظالم الفادحة والواضحة في عملية نقد النظام الديمقراطي. فإذا أراد الإنسان أن يقضي على الظلم برمّته، فلا بدّ أن يأهّل نفسه لرؤية المظالم الخفية. فإذا أراد الشعب الأمريكي أن يثور على حكومته، لا ينبغي له أن يحتجّ على الحروب التي شنتها أمريكا في جميع أنحاء العالم بشكل مباشر أو غير مباشر، بل لابدّ له أن يحتجّ على أصل النظام الرأسمالي أيضا. وهذا ما بدأ يحدث في هذه الأيام. إن حركة الاحتجاج ضد النظام الرأسمالي (حركة احتلال وول ستريت) التي باتب تمتدّ بجذورها في جميع العالم، تبشر ببدء فصل جديد في صحوة الشعوب في عالم الغرب.

    يتبع إن شاء الله...



    [1] . يرى مفكرو الغرب أن الديمقراطية قد شُيِّد كيانها على أربعة أركان فأي حكومة أخذت هذه الأركان بعين الاعتبار والتزمت بها نظريا وعمليا، فنظامها ديمقراطي. وهي: 1. القانون الأساسي 2. النظام البرلماني (مجلس الشورى) 3. الأحزاب السياسية 4. حرية الصحافة. وقد أضاف بعضهم إلى هذه الأربعة خامسا باسم "الحرية المدنية" وأرادوا بها حرية التعبير والقلم والفكر والعقيدة والمثل وكذلك تنمية المؤسسات المدنية المدافعة عن حقوق الشعب. وبالرغم من حلاوة ظاهر هذه المصطلحات الرنّانة، إن كل هذا التفنن بالألفاظ إنما هو من أجل ضمان سلطة الرأسماليين المطلقة على الشعوب، وسنقف عند هذا الموضوع قليلا في الأبحاث القادمة إن شاء الله.



  10. #20
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 15

    إن كثيرا من المعاملات التي تمارس في الأنظمة الديمقراطية هي معاملات ظالمة. فعلى سبيل المثال، من قال إن الأغنى له أن يحتكر جميع الفرص لنفسه ويمنعها عن الآخرين؟ وعلى أيّ أساس أعطي الحقّ لكبير المساهمين أن يأخذ بزمام مقدرات باقي الأعضاء؟ أساسا إن مفهومي النموّ والتنمية في إطار النظام الرأسمالي الحرّ يشيران إلى ضرب من الظلم. لا مانع لدى النظام الرأسماليّ من ارتقاء الناس في الجانب الاقتصادي، بل يشجعهم على كسب الغنى والثراء وحتى قد يقرضهم ويوفّر لهم جميع الإمكانات في سبيل تحسين وضعهم الاقتصاديّ، بيد أن الهدف الأول والأخير في هذه السياسة هي زيادة القوّة الشرائية لدى الناس لتكون ضمانا على بيع منتجات أصحاب رؤوس الأموال. وهذه هي أحد المظالم الخفية في النظام الرأسمالي.
    في جولة كانت لي قبل فترة في عدد من البلدان الأفريقية، سألت أحد المسؤولين السياسيين عن سبب قلّة تواجد الشركات الأجنبية ولاسيما الأوروبية في أفريقيا. فأجابني: «لقد نفض الأوروبيون أيديهم من ترفّه واغتناء الأفريقيين، ولهذا فلا ميل لهم إلى تكثير هذه الشركات». قلت له: «وهل يودّ الأوروبيون أن يترفّه الشعب الأفريقي؟!» فأجاب: «کلا، إن ما يهدفون إليه هو أن يجدوا سوقا لبضائعهم ولكنهم عرفوا أن أفريقيا لن تصبح سوقا جيدا لها؛ إذ لم يتطبّع شعبها على النزعة الاستهلاكية». وفعلا بسبب الظروف الأقليمية والمناخية هناك، لم تتوغل ثقافة الاستهلاك بعدُ في نفوس الشعب الأفريقي. حيث يكتفي أحدهم ببلوز صيفي طوال سنته ولا يضطره مناخها المعتدل إلى ارتداء شيء آخر. ينمو هناك نوعان من الموز، فيأكلون أحدهما كفاكهة ويطبخون الآخر كغذاء. فلا تهتشّ نفوسهم لابتياع البضائع الأجنبية الكماليّة على سبيل الإفراط. وعليه فلا يوجد للدول الأوروبيّة أيّ حافز لتنمية أفريقيا !
    يعني النظامُ الرأسماليُّ من تنمية البلدان الفقيرة، ضمانا على تصاعد بيع بضائعهم. ومن هذا المنطلق أنشأوا المصرف الدولي وبادروا بإقراض البلدان الفقيرة. فهل قد احترق قلبهم على البلدان الفقيرة أو النامية؟ كلا، الواقع هو كلما تقرّبت البلدان صوب الحداثة والتطوّر ازدادت حاجة إلى بضائع البلدان الرأسمالية، فيتضاعف بيع هؤلاء وأرباحهم وإلى جانبه تتفاقم الاتكالية الاقتصادية في سائر البلدان. فعلى سبيل المثال قبل أن تنتصر الثورة في بلدنا إيران، كنا نستورد بعض البضائع كالقمح و غيره من الخارج، أما الآن وبعد ما بلغنا هذا التطوّر الباهر في مختلف مجالات العلم والتقنية، أصبحنا غير مستغنين عن أجهزة الحاسوب وغيرها من الأجهزة الحديثة، وبهذا فقد ازددنا اتّكالا. أصبح جهاز الحاسوب لدى الكثير منّا من أوجب الواجبات، فإذا خطينا خطوات أخرى نحو التطور والحداثة، تزداد حاجتنا شيئا فشيئا إلى باقي الأجهزة المتطورة وبرامجها، ومآل هذا المسار هو استفحال الاتكال فينا وتضاعف البيع والأرباح للبلدان المنتجة لهذه البضائع.
    وكذا الحال في المجالين الثقافي والاجتماعي. فلا بأس أن نقف ـ على سبيل المثال ـ على الرؤية الظالمة التي تنظر بها الأنظمة الرأسمالية إلى حجاب المرأة وسترها. إن هذه الرؤية إلى المرأة بأن لها الحريّة المطلقة في أن تخرج كيف ما تشاء أمام أنظار الناس وتدخل في مختلف مجالات المجتمع بما طاب لها من زيّ، هو ظلم على المرأة نفسها. لقد أصبحت هذه الثقافة معترف بها في الغرب وهي أن كلّ فرد له أن يحضر في مختلف الأوساط الاجتماعية بما راق له من زيّ ومظهر، وبات الناس جميعا هناك ينظرون إلى هذه الحريّة كحقّ لهم. بينما السفور والتبرّج في حقيقة أمره ظلم على سائر النساء. الفتاة التي تحظى بالحسن والجمال وقد سبقت بجمالها باقي النساء في لفت أنظار الرجال وفتونهم، فهي في الواقع تظلم أولئك النساء اللاتي لم يحظين بجمالها أو قد سُلِب منهنّ لمضيّ عمرهنّ. كما أن هذه الفتاة تمضي في سبيل تفقد فيه جمالها وسوف تأتي فتيات أخريات فيهمشّونها بنفس هذا السلوك الظاهر في ظلمه. في هذه المنافسة الباطلة، تهان كلّ فتاة لم تحظ بهذه المغريات الظاهرية. وإن هذا لأكبر ظلم على النساء.
    وكذلك نغمة المساواة بين حقوق المرأة والرجل تمثّل ضربا آخرا من أنواع المظالم التي تمارس بحقّ النساء، ولكن قلّ ما لفتت أنظار الناس لخفائها. كيف تكون نتيجة المساواة بين حقوق المرأة والرجل في شؤون المجتمع، لصالح المرأة، ومن قال بأننا سوف نخدم المرأة ونتفضل عليها فيما لو أنجزنا هذه المساواة؟
    إنّ تحليل هذه القضية يقتضي مجالا آخرا ولكن نكتفي هنا بتسليط الضوء على نقطة واحدة. إن المساواة بين حقوق المرأة والرجل في حقيقة أمرها هي سحق فطرة المرأة وغض الطرف عن احتياجاتها ونزعاتها الطبيعية. فهل هي لصالحهنّ؟ إنها تشبه في سخافتها بما لو نادينا بالمساواة بين حقوق الأطفال والكبار، ومن ثمّ نمنح الأطفال جميع حقوق الكبار وامتيازاتهم. فقد لا تبدو مشكلة في هذه المساواة إلى هذا الحدّ من تصوّرها، ولكن ستظهر مشاكلها في ما لو ارتفع مستوى توقعاتنا من الأطفال بدرجة ما نتوقعه من الكبار، فنتوقع منهم أن لا يختلف سلوكهم عن سلوك الكبار، وأن يمارسوا العمل كشأن الكبار، وأن يلتزموا بالآداب الاجتماعية مثلهم، وأن يتعهدوا بجميع العهود والعقود الأسرية والاجتماعية كشأنهم و... فهل هذه المساواة خدمة للأطفال أم خيانة بحقهم؟

    يتبع إن شاء الله...



+ الرد على الموضوع
صفحة 2 من 5 الأولىالأولى 1 2 3 4 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. حب الحسین وعلاقته بالفطرة، للأستاذ بناهيان
    بواسطة مجاهد في المنتدى الاسلام
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 17-07-2014, 02:32 PM
  2. رؤية جديدة إلى موضوع الحجاب، للأستاذ بناهيان
    بواسطة مجاهد في المنتدى المرأة
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 23-06-2014, 02:00 PM
  3. جمال الدين وبدائعه للأستاذ بناهيان
    بواسطة مجاهد في المنتدى الاسلام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 23-01-2014, 05:37 PM
  4. مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 14-11-2013, 10:57 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك