+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 5 1 2 3 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 44

الموضوع: وقفة عند أسرار الولاية للأستاذ بناهيان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية للأستاذ بناهيان

    مقتطفات من كلمات سماحة الشيخ الأستاذ علي رضا بناهيان في موضوع أسرار الولاية:


    المقدمة: التعريف بالبحث

    إن موضوع بحثنا في هذه الرسالة مفهوم "الولاية"، المفهوم الذي طال ما طرق أسماعنا وتحدثنا به في حواراتنا، كما أننا على معرفة إجمالية بأهميته وموقعه في المنظومة الفكرية الإسلامية. ولكن مع هذا ينطوي هذا المفهوم النوراني على كثير من الأبحاث الخفية التي نجد بعضها مهمة وأساسية للغاية.

    بالرغم من الأدوار الواسعة التي تقوم بها "الولاية" في مقام إدارة المجتمع وتطويره وتنميته، قد يتصور الكثير من الناس أن مفهوم الولاية مفهوم ديني ومعنوي وحسب، ولعلهم يؤمنون بها ويخضعون لها تعبدا وبغض النظر عن آثارها وتداعياتها الواسعة في شؤون حياتهم، ولكن لا شكّ في أننا لسنا بغنى عن التزوّد المعرفي تجاه هذا المفهوم؛ إذ أن من جانب، ازدياد معرفتنا تجاه هذا المفهوم النوراني يزيدنا حبا وتعلقا بأولياء الله ومن جانب آخر إنه يحدد تكليفنا تجاه هذا المفهوم.

    من جانب آخر، تضاعفت ضرورة الخوض في موضوع الولاية في ظروفنا الراهنة. إذ لم يبلغ المجتمع البشري إلى هذا المستوى من النضج حتى يواجه مفهوم الولاية بهذه الجدية. أما اليوم فقد تعاضد نضج عقل البشر وتجاربه مع تبلور نظام ولائي قاوم الأنظمة العالمية بمفرده، فأخذ موضوع الولاية مأخذا في اهتمام الناس. وعندما يصبح موضوع جادّا ومهمّا، لابدّ من الإكثار في دراسته.


    موانع التطرق إلى هذا الموضوع

    بالرغم من أن موضوع الولاية مهم جدا ومن الضروري طرحه في هذا الزمان، ولكن هناك موانع وعوائق موجودة في المجتمع بحيث تعرقل عملية طرح هذا الموضوع، فنشير تاليا إلى بعضها بإيجاز:
    القضية الأولى التي نواجهها أثناء عملية طرح مفهوم الولاية في المجتمع، هي الشعور بكونه مفهوما تكراريا. في بادئ الأمر يبدو موضوع الولاية موضوعا تكراريا ومملا للغاية وانطباع أكثر الناس عن هذا العنوان هو أنهم يعرفون مسائل كثيرة عنه ولا داعي لصرف المزيد من الوقت للتعرف عليه.

    المشكلة الأخرى التي نواجهها في المجتمع، هي ظاهرة الولائيين الذين أساءوا إلى هذا المفهوم بسوء تصرفاتهم. لعل بعض الناس واجه في حياته الفردية أو الاجتماعية بعض المتظاهرين بالولاء والتمسك بالولاية، ولكنه كان مسيئا جدا في تصرفاته وتعامله ما أدى إلى نفوره من مفهوم الولاية. فعندما نريد أن نتحدث عن الولاية، يقول هذا الإنسان في نفسه: لو كان مفهوم الولاية مفهوما جيّدا، لكان من المفروض أن يترك أثره الإيجابيّ في هواته وحماته، أما عندما لم يقدر هذا المفهوم على تغيير سلوك هؤلاء الناس، فما الداعي من التعرف عليه وصرف الوقت من أجله؟

    ويزعم آخرون أنهم بغنى عن التعمّق في هذا المفهوم وكسب المزيد منه، إذ أنهم آمنوا بها واعتنقوها. وهذه أيضا من العوائق الأخرى التي تقف أمام عملية طرح هذا الموضوع في أوساط المجتمع. في حين أن الولاء والتمسك بالولاية من المفاهيم التي تختلف باختلاف درجاتها ومستواياتها في قلب الإنسان. ليس لأحد أن يدعي بأنه قد بلغ أعلى درجات الولاء، فمهما كانت درجتنا في الولاء والتمسك بالولاية لابد لنا من تعميق معرفتنا بهذا المفهوم بغية اجتياز ما كنا عليه في الولاء ونيل الدرجات الأعلى.

    الولائيون معنيون برفع مستوى معرفتهم بمفهموم الولاية وتعميقها أكثر من غيرهم، وذلك ما يفرضه عليهم ثلاث أدلة على الأقل: الدليل الأول هو أن الله سبحانه لا يتقبل من الإنسان أيّ عمل بلا معرفة. إذن مدى قيمة أعمال المرء مرتبط بمدى معرفته بأعماله. فإذا أراد الولائيون أن تزداد قيمة ولائهم لدى الله سبحانه، لابد لهم من رفع مستوى معرفتهم بمفهوم الولاية.

    الدليل الثاني هو عندما نفتقد المعرفة العالية بهذا المفهوم، لا يترك ولاؤنا أثره المطلوب في نفوسنا. في سبيل إيضاح الفكرة افترضوا إنسانا أصيب بمرض. فإذا كان هذا المريض طبيبا في نفس الوقت، سوف يعلم أي دواء يستعمله في سبيل علاج مرضه، وبما أنه عارف بآثار هذا الدواء وفوائده ويعلم جيدا مفعول الدواء في عملية العلاج، يستأنس باستعمال الدواء ويتلقاه برحابة صدر. أما إذا لم يكن المريض طبيبا، فقد يطبق وصفة الطبيب ويستعمل الدواء نفسه، ولكن باعتباره جاهلا بتفاصيل مفعول الدواء في عملية العلاج، لا تتفاعل نفسه مع استعمال الدواء كتفاعل نفس الطبيب. فإذا أردنا أن نعيش ولاءً وإيمانا ألصق بالفؤاد ليس لنا بدّ سوى أن نطوّر معرفتنا بمفهوم الولاية.

    والدليل الثالث والأخير هو إن لم يتعدّ ولاؤنا وإيماننا بالولاية نطاق السطحية والسذاجة، قد نسيء بتصرفاتنا إلى هذا المفهوم ما يؤدي إلى نفور الآخرين من الولاية، ومن جانب آخر تكون أيدينا فارغة عن المنطق الواضح والدليل المتين في مقام الدفاع عن الولاية والإجابة عن الشبهات والإشكالات ومواجهة المخالفين والمعادين. إذن لا يكفينا حب ولي الله وحسب، فإذا أردنا ننفع الولاية لابدّ لنا أن ندرك هذا المفهوم بعمق ونطّلع على مختلف أبعاده ورموزه.

    يتبع إن شاء الله...





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي


    حياك الله أختي الكريمة
    شكرا جزيلا لك على المشاركة وتسجيل المرور


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 2


    منهجنا في هذه الأبحاث

    إن مفهوم الولاية من المفاهيم التي قد جرى حديث كثير حولها، ومن المؤكد أن قارئي هذه السطور يعرفون بعض الشيء عن هذا المفهوم، ولكن مع هذا عندما ندرس ظروف المجتمع بشكل عام، نجد أن مستوى معرفة الناس بهذا المفهوم النوراني الذي يمثل أهم ركن في ديننا، هابط جدا.

    بمجرد أن يأتي ذكر الولاية تتبادر في الأذهان تلقائيا أتمّ مصاديق الولاية وهم الأئمة المعصومون (عليهم السلام)، وبما أن الناس يقدسون الأئمة المعصومين (عليهم السلام) غاية التقديس، نادرا ما تجدهم يبحثون عن الأدلة العقلية على أهمية مفهوم الولاية في التعاليم الدينية. نحن في منهج دراستنا هذه، مع كل احترامنا لجميع المتدينين ولما يحمله الناس من عقائد حقة وأصيلة تجاه الولاية، نحاول أن نتناول الموضوع بأسلوب عقلي بحت وباستناد إلى الأدلة المنطقية.

    أن بحثنا في هذه الرسالة يدور حول أصل مفهوم الولاية، فلا دخل لنا بمصاديق هذا المفهوم النوراني، كما لا يهمّنا أن نتطرق إلى أنّ هل مصداق هذا المفهوم ينحصر في الأئمة المعصومين (عليهم السلام) أو يمكن صدقه على غيرهم. طبعا وبالتأكيد سوف نأتي خلال الأبحاث بنماذج من منهج ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وحتى ولاية الفقيه في تفاصيل إدارة المجتمع، وذلك في سبيل إيصال الفكرة عن طريق بيان مصداق عملي خارجي.

    نحن في هذه الأبحاث بصدد دراسة مدى عقلانية الولاية باعتبارها المنصب المتصدي لإدارة المجتمع. فإن تواكبونا في هذه الدراسة سوف تقرّون بأن رؤيتكم لمفهوم الولاية لم تكن رؤية كاملة، أو على الأقل إن الرؤية السائدة لدى أكثر الناس تجاه الولاية ليست برؤية كاملة.

    كما ذكرنا، إن منهجنا في هذه الدراسة عقلي بحت. بعبارة أخرى، كلّ ما نصبو إليه في هذه الأبحاث هو أن نناقش موضوع الولاية بمعزل عن الأدلة الشرعية ولا نستند إلّا إلى الأدلة العقلية. لهذا نرجو القارئ الكريم أن يواكب الأبحاث خطوة بعد خطوة ولا يأتي إلى فصل إلا بعد ما اقتنع بالفصل السابق عنه.

    يتبع إن شاء الله ...



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2012
    الدولة
    من عالم الخيال
    المشاركات
    16,422

    افتراضي

    موضوع رووووووووعة احسنت غلااااااااااااااي


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 3



    فوائد دراسة المسائل العبادية من الناحية العقلية

    بالإضافة إلى الجانب التعبدي الذي تتصف به جميع أحكامنا الدينية، تحتوي هذه الأحكام على الكثير من الفوائد المشهودة والآثار الملموسة الواضحة، ومن المؤكّد أنّ الالتفات العقلي والتجربي إلى هذا الجانب من الأحكام الدينية قد يؤدي إلى فوائد عظيمة. طبعا لعلنا لا نستطيع أن ندرك فلسفة بعض الأحكام أو ثمراتها المشهودة، وهذا لا يعني أنها غير عقلية. و أساسا إذا كان إيماننا بأصل الدين مرتكزا على أساس أدلة عقلية ومنطقية، يصبح إيماننا بأيّ حكم من أحكام الدين إيمانا موضوعيا ومنطقيا، حتى وإن لم نجد دليلا عقليا واضحا على ذلك الحكم. ولكن مع ذلك توجد بعض الأحكام التي لها جوانب عقلية جليّة ولدينا أدلة عقلية واضحة عليها.

    إن التركيز على الأدلة المنطقية والعقلية في الأحكام الشرعية له دور كبير في تقبل من هو غير ملتزم بالأوامر الإلهية وغير واثق بها. فعندما يأتي علماء العلوم الطبيعية ويذكرون فوائد لبعض المستحبات أو الواجبات، تجد أن أكثر الناس ولا سيما أولئك الذين لم يوجدوا علاقة قلبية وثيقة مع الأحكام الدينية تطمئن قلوبهم ويسهل عليهم العمل بالمستحبات وحتى الواجبات.

    فعلى سبيل المثال عندما يذكر الأطباء بعض فوائد السجود، من قبيل أن هيئة السجود هي أفضل هيئة الجسم لوصول الدم إلى عروق الدماغ، أو أن لها تأثير إيجابي على حركة عضلات القلب، بطبيعة الحال يميل الإنسان إلى هذا العمل ويسهل عليه طول السجود بعد ذلك. لا يخفى أن هذه الفوائد الظاهرية والمادية إنما هي مبلغ إدراكنا، ولا شكّ في أن الأحكام الشرعية لها آثار ونتائج على العالم بأجمعه وقد شرّع الله هذه الأحكام في سبيل تحقيق تلك الآثار.

    ومن جملة فوائد هذه الرؤية العقلية هي أن بعض الناس يستنكف عن الالتزام بالدين والأحكام الإلهية ويعبر عن عدم رغبته بكل صراحة، فبهذه الرؤية العقلانية يتسنّى لنا أن نرغبه بتقبل الدين وأحكامه. الإنسان الذي يقول: "لا علاقة لي بالله وبرسوله ولا يهمني سوى مصلحتي ومنافعي" يمكن أن نتحاور معه بالأسلوب العقلي ونقول له: "جيد جدا، إن كنت حريصا على مصالحك حقا، فالحسابات العقلية تفرض عليك أن تقوم بهذا العمل الواجب أو تنتهي عن ذاك الفعل المحرم."

    على سبيل المثال، قد وردت وصايا كثيرة في تعاليمنا الدينية على ضرورة قلة الطعام وقد ذكرت له فوائد لا تحصى. ولكن حتى ولو كان أحد غير مؤمن وغير ملتزم، مع ذلك هناك الكثير من الأبحاث العقلية والمنطقية القائمة على أساس تجربيات العلوم الطبيعية، بحيث نستطيع أن نثبت له نتائج هذا السلوك بكل سهولة. نحن لا نفرض على أحد أن لا يقلل من طعامه إلا بمحفز ديني وأمر شرعي، كلا، بل نقول له حتى ولو كنت غير متدين، ألا يحكم عقلك بحسن هذا العمل؟! فإذا يحكم عقلك بذلك اعمل بمقتضاه.

    طبعا إن استطاع أحد أن يقلل من طعامه بدافع ديني ومن أجل إطاعة أمر الله، لا شك في أن هذا العمل يحظى بجمال و حسن وفضل آخر. ولهذا كانت حياة العرفاء وأولياء الله كلها من أجل الله وفي سبيله. ولكن إذا كان أحد غير مكترث بالله ورسوله، ولم يقلل طعامه إلا بدافع عقلي بحت، لا بأس بذلك. على أي حال إن دراسة المفاهيم العبادية من الناحية العقلية تؤدي إلى نتائج نافعة لجميع الناس من المؤمنين وغيرهم.

    بشكل عام، كلما تعرف الإنسان على الأدلة العقلية لعمل مّا، يسهل ويخفّ عليه. إن مراعاة قوانين المرور ليس عملا شاقّا على الناس، إذ أنهم أدركوا ضرورة هذه القوانين من الناحية العقلية. أما لو لم يكن دافع ومحفز للوقوف خلف الضوء الأحمر سوى أمر الله ونهيه، لما خضع الناس لهذا القانون بكل بساطة. أما الآن فهم يعلمون أن اجتياز الضوء الأحمر يخلّ بنظم المرور ويسلب إمكان التجوّل في الطرق، فيراعون قوانين المرور بسهولة.

    من الفوائد الأخرى التي تحصل بالرؤية العقلانية إلى المسائل الدينية، هي أن الإنسان بعد ذلك لا يمنّ على الله. إذ لا منّة بعد إن شعر الإنسان أن الالتزام بالدين لصالحه؛ «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكمُ‏ْ وَ إِنْ أَسَأْتمُ‏ْ فَلَهَا».[1] إن أدرك الإنسان هذه الحقيقة جيدا وهي أن كل ما قام به من حسنات وصالحات، فإنه قد عمله لنفسه، وكل ما ارتكب سيئة فإنه قد أضرّ بنفسه، عند ذلك سوف لا يشعر بأنه يطلب الله شيئا ولا يتورط بالعجب والغرور.

    وحري بالذكر هنا أنّ معرفة الجوانب العقلانية في المسائل الدينية تدفع الكثير من المشاكل والمنغصات في الحياة الاجتماعية وتمنح أفراد المجتمع حياة أهنأ وأرغد. فعلى سبيل المثال إحدى الأزمات التي نعيشها اليوم في بلداننا الإسلامية هي قضية الحجاب. فإن أردنا أن نعرّف الحجاب كأحد القيم الدينية والأوامر الإلهية يصعب الالتزام به على الكثير. ولكن إذا طرحناه كضرورة عقلية، عند ذلك لا يمكن رفضه بسهولة. عندما نبيّن العلاقة الموجودة بين الحجاب والاستقرار النفسي في المجتمع والتطور العلمي في الجامعات، لا داعي بعد لصرف الدين من أجل إشاعة الحجاب في الأوساط الجامعية.

    يتبع إن شاء الله ...

    [1] اسراء، 7.


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 4

    الولاية ضرورة عقلية

    الولاية هي من المفاهيم الدينية التي يمكن إدراك ضرورتها من خلال الرؤية العقلانية وبغض النظر عن التعاليم الدينية. وأساسا إن مفهوم الولاية قبل أن يكون مفهوما شرعيا، هو مفهوم عقلي ولا ينبغي أن نعتبره مفهوما معنويا وحسب.
    عندما يطرح موضوع الولاية ولاسيما ولاية الفقيه، عادة ما يناقش من خلال الأدلة الفقهية أو الكلامية. ولكن منهجنا في هذه الدراسة مرتكز على العقل تماما. حيث لا علاقة لنا هنا بالأحكام والتعاليم الدينية، ولا نتطرق إلى الأدلة الشرعية في مسار إثبات الولاية. لغتنا وخطابنا في هذه الأبحاث خطاب دولي ويمكن طرحها على جميع شعوب العالم، حتى العلمانيين منهم.
    في هذه الأبحاث نسعى أن لا نتعرض للدين بشكل مباشر، فإن تطرقنا أثناء البحث إلى شيء من الدين، فذلك من باب ذكر ضرورة عقلية وسوف ننظر إليه بتحرر عن نطاق الدين. طبعا هذا لا يعني أن الأدلة الشرعية على ولاية الفقيه أدلة غير عقلية، بل هي قائمة على موازين عقلية ومنطقية محكمة، ولكن باعتبار أن في الأدلة الشرعية إحدى مقدمتي الدليل على الأقل، هي نص ديني، قد يأبى عن قبولها غير المتدينين. من هذا المنطلق، سوف نخوض في البحث برؤية مستقلة عن الدين وبعقلانية مطلقة، لئلا تبقى ذريعة لأحد.

    لماذا اتخذنا هذا المنهج؟

    بالإضافة إلى أن الدراسة العقلية لموضوع الولاية، تخوّل لنا أن نطرح الولاية كنظرية عالميّة لجميع شعوب العالم، تمتاز بكونها تفسح لنا المجال أن نواجه بكل صراحة وطلاقة، كلّ من يتمرّد على الولاية ويرفض هذا الأمر العقلي والمنطقي، ونقول لهم: "إن لم يكن لكم دين، فلكم عقل وشعور ووجدان، فما هذه المخالفة لأمر معقول منطقي ضروري؟!
    لا ينبغي أن نقف وننتظر إلى أن يصبح جميع الناس متدينين. موضوع الولاية أعمّ من المواضيع الدينية. هل يحق لغير المتدين أن يربك نظام المجتمع؟ هل يحق له أن يتجتاز الضوء الأحمر بذريعة كونه مسيحيا؟ هل يحق له عدم مراعاة النوبة لكونه مجوسيا؟ هل بإمكانه أن يتلاعب بالأسعار ثم يقول أنا لست ثوريّ؟ لا علاقة لهذه المسائل بالدين، إذ لا يحقّ لأحد أن يربك نظام المجتمع مهما كان دينه. وكذلك الحال في مسألة الولاء وقبول الولاية. فإذا طرحنا الولاية كضرورة عقلية، عند ذلك لا يستطيع أحد أن يفلت من قبول الولاية بذريعة كونه غير متدين أو غير ثوريّ.
    لقد ورد عن الإمام السجاد (ع) أنه قال: «يَا أَبَا خَالِدٍ إِنَّ أَهْلَ زَمَانِ غَيْبَتِهِ الْقَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ وَ الْمُنْتَظِرِينَ لِظُهُورِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَي أَعْطَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ وَ الْأَفْهَامِ وَ الْمَعْرِفَةِ مَا صَارَتْ بِهِ الْغَيْبَةُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاهَدة»[1] كما هناك روايات أخرى تشير إلى نضج عقول الناس وفهمهم في آخر الزمان. ينمو عقل الإنسان في آخر الزمان بحيث يدرك حكمة كثير من الأحكام الدينية. ولهذا يستأنس الإنسان المعاصر أكثر من أسلافه بالحديث عن الجوانب العقلانية والمنطقية في الأحكام الدينية.
    ومن جانب آخر وكما سبق آنفا، إن الرؤية العقلانية إلى الأحكام الدينية تمنع الإنسان من أن يمنّ على الله بسبب التزامه بأحكامه. كما أن الرؤية العقلانية إلى قضية الولاية تمنعه من أن يمنّ على أحد بسبب قبوله للولاية. عندما نطرح الولاية برؤية منطقية وعقلانية، يعي الإنسان جيدا أن قبول الولاية لصالحه، وبالإضافة إلى ذلك يجب عليه أن يشكر الله على هذه النعمة الكبيرة التي أنعمها عليه.
    وزد على ذلك أننا على أعتاب حدث عظيم وهو الظهور. ولا سبيل إلى التوطئة للظهور إلا عن طريق شيوع مفهوم الولاية وقبول الولاية. وقد سبق أن الرؤية العقلانية إلى الولاية تسنح لنا فرصة طرح هذا الموضوع على مستوى عالمي وهذا ما يمهّد لانتشار هذا الموضوع في العالم. وبإمكان هذه الظاهرة أن تبشّر بالظهور كالطريق الوحيد لخروج كافة الشعوب من أزماتهم.

    يتبع إن شاء الله ...

    [1]كمال الدين، ج1، 230.


  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 5

    الفصل الأول: تبلور القوة في المجتمع تلقائيا وضرورة السيطرة عليها

    في سبيل دراسة موضوع الولاية، لا بأس أن ننطلق من أبده المسائل الاجتماعية وهي «تبلور مفهوم القوة بين الناس». والخوض في هذا الموضوع بحاجة إلى معرفتنا بالمقتضيات السياسية في المجتمع التي تؤدي إلى نشوء القوة. فإذا أقررنا بتبلور القوّة كأمر بديهي، نأتي إلى دراسة آليات السيطرة عليها ومراقبتها، ونظرا إلى مختلف التجارب التي مارسها الإنسان وأشكال الطرق التي سلكها في هذا المسار، نصل إلى الولاية ودورها الفريد في السيطرة على القوة وضمان سعادة الناس في مسار تعاملهم معها.

    لابد أن نعرف المعادلات السياسية

    مضافا إلى كون البحث في مفهوم الولاية بحثا سياسيا كاملا، لابدّ أن نعتبره أحد أكثر الأبحاث السياسية تعقيدا وحساسية في العالم، لا في مجتمعنا فحسب. وإن هذه الحساسية لم تختص باليوم، بل كانت قضية الولاية قد أخذت مأخذا من اهتمام الحكام والولاة منذ آلاف السنين. كان الطغاة يقتلون أئمتنا بالرغم من أنهم لم يكونوا يتدخلون في المسائل السياسية والحكومية، ولم تتح لهم الفرصة بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يجسدوا هذا المفهوم على مستوى إدارة المجتمع، ولكن كان الطغاة يقتلونهم بسبب قضية الولاية. حيث إنهم كانوا يعرفون معنى الولاية إجمالا وكانوا يعلمون أن لو سنحت لأئمتنا الفرصة لتطبيق الولاية على مستوى إدارة المجتمع والقضايا الحكومية، لما أمكن لهم الوقوف أمامهم بأي قوة، فلم يجدوا بدا من تجريع السمّ لأئمتنا (عليهم السلام).
    إن هذا الموضوع على مستوى عال من الخطورة والحساسية. إذ حتى أولئك الذين يرفضون الولاية ويعادونها قد شعروا بحساسيتها. إنها قد أثارت حفيظة جميع السياسيين ورجال السياسة في العالم ولم يمرّ أحد منها مرور الكرام. فنحن نشهد عداء فادحا تجاه الولاية في الأوساط الدولية، إذن لا نستطيع أن نهمل هذا الموضوع ونغض الطرف عنه.
    إن الخوض في موضوع الولاية بالرؤية العقلانية يستلزم اطلاعنا على الساحة السياسية ومعادلاتها. أكثر الأشخاص الذين تناولوا هذا الموضوع قد دخلوا فيه من مدخل فقهي أو كلامي، أما نحن فنريد أن ندرسه برؤية سياسية. إذ حتى لو أثبتنا الولاية عن طريق الأدلة الكلامية أو الفقهية، فهي لا تتجسد في سجادة الصلاة أو أثناء الدعاء وتلاوة القرآن، بل تتجسد في المجتمع؛ أي الساحة السياسية.
    لابد أن يرتقي مستوى الرأي العام في بلداننا، بحيث لو أعرض أحد عن المسائل السياسية عن عدم اكتراث أو نظر إليها نظرة تحقير واستهزاء، تنكشف حماقته. لابد أن تصل أمتنا إلى هذه القناعة ويؤمنوا بأن من أعرض عن السياسة برمتها إنسان أحمق. كيف لا وفي هذا الزمن أصبحت جميع المسائل من الطعام والشراب إلى الدين والإيمان متعلقة بالسياسة؟ كما لا يمكن لأمة أن تنال السعادة وتعيش الحياة الطيبة في ظل أحكام الدين إلا عن طريق سلوك درب السياسة. لا يمكن لشعب أن يوفّر أسباب طلب العلم والتعقل ويعيش حياة هادئة مستقرة ويتمتع بما ينسجم مع أهوائه ونزعاته ويعيش حياة سعيدة من دون أن يخوض في عالم السياسة.
    إن السياسة مقدسة لنا. إنها أحد الأبواب الواسعة جدا التي تنفتح على عالم معنوي عظيم. إن النور الذي نستطيع أن نكسبه بالسياسة لا يمكن تحصيله بالعبادة. لا ينبغي أن نسمح لبعض المتظاهرين بالقداسة أن يشوّهوا سمعة العمل السياسي بذرائع تافهة، إذ أن إنسانيتنا تتبلور من خلال الوعي والعمل السياسيين. الإنسان الذي لا يبالي بمصير الناس أي لم يكن سياسيا فهو خارج عن الإنسانية.
    نحن لا نرضى بالتلاعب السياسي بلا ريب. نحن لا نتحمّل التلاعب بالقدرة بمعناها القبيح. وإذا ارتفع مستوى الوعي السياسي في المجتمع لا يبقى مجال بعد للتلاعب السياسي. إذا أقبلنا على السياسة جميعا ولم نشمئز منها، وتعاطينا معها كأمر معنوي، وصعّدنا من وعينا السياسي، وضاعفنا همّتنا السياسية، وبعبارة واحدة إن كنا غير مهملين للمسائل السياسية، لن يجد متلاعب حينئذ أيّة ساحة وأيّ مجال لمناوراته السياسية.

    نشوء مفهوم «القدرة» في المجتمع

    ليس الناس سواء وهم مختلفون. وإن هذه الفوارق لأوضح من أن تحتاج إلى شرح وتبيين. لقد اقتضت سنة الله في خلقه أن يختلف الناس في ما بينهم، فهذه الفوارق هي نتيجة إرادة الله سبحانه. ومن جانب آخر، لا مناص للإنسان من الحياة الاجتماعية حفاظا على حياته. فإذا اختلف الناس في ما بينهم سوف يُضطرّون إلى إنشاء "المجتمع" في سبيل سدّ احتياجاتهم. و بعبارة أخرى، بما أن الناس غير مستغنين بعضهم إلى بعض، فلا بدّ لهم من إنشاء المجتمع والتعامل في ما بينهم ليحفظوا بذلك حياتهم.
    وفي ظل هذه التعاملات الاجتماعية ينشأ «النظام التسخيري»، ويُضطرّ الناس إلى التعامل مع بعض في ظل نظام تسخيري. فيصبح النجار في هذا المجتمع مورد حاجة كل من أراد بابا أو شباكا لبيته. ولكن لابد لهذا النجار وغيره من الناس، أن يراجعوا الطبيب لعلاج مرضهم. وكذلك لابدّ لهذا الطبيب والنجار أن يراجعا المهندس المعماري لبناء بيتهم، وقس على هذا. فإذا نظرنا إلى حياة الناس الاجتماعية، نجد أن كلّهم قد أقرّوا بهذا النظام ولم يعترض أحد عليه.
    لقد أشار الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم إلى هذا النظام التسخيري واعتبره مقتضى إرادته التكوينية، حيث قال: «أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» [الزخرف/32] إن الله في هذه الآية قد نسب الفوارق بين الناس إلى نفسه، مشيرا إلى أن المراد من هذه الاختلافات وترفيع البعض على بعض هو تبلور هذا النظام التسخيري.
    وفي ظل هذا النظام التسخيري يتبلور مفهوم «القدرة». فالأقوى أو الأغنى أو من كانت له معلومات أكثر يترأس على باقي الناس بطبيعة الحال. ولا يمكن الوقوف حيال تبلور القوّة، بل لا بدّ منها في عملية إدارة المجتمع.

    يتبع إن شاء الله...



  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي

    شکرا جزيلا لك أخي الفاضل حياك الله

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 6

    القوى المافيائية[1]

    كما مرّ سابقا إن تبلور القوة في المجتمع أمر لابدّ منه. و قلنا لابدّ لمن أراد دراسة مفهوم الولاية بالنظرة العقلانية أن يعرف معادلات الساحة السياسية. من الحقائق الموجودة في المجتمع هي أن المجتمع أرض خصبة لنشوء عديد من القوى المافيائية. يعني تتعاضد شبكات القوة في المجتمع لتؤمن مصالحها وتقف أمام تكوّن قوّة أخرى، فهي في الواقع تضيّق الساحة لمنافسة الآخرين ولا تسمح بتداول القدرة والسلطة بين نخب المجتمع. فلابدّ من معرفة مافيا القوة فيما إذا أردنا الحديث عن مفهوم الولاية ودورها في المجتمع.
    يمكن أن تنشأ مافيا القوة في جميع أقسام المجتمع. فعلى سبيل المثال يستطيع الأساتذة وأعضاء الهيئة العلمية في الجامعة أن يكوّنوا قوة مافيائية. بحيث يقفوا أمام ظهور المواهب الجديدة ولا يسمحوا بدخول شخص جديد في حلقة أعضاء الهيئة العلمية في الجامعة. ولهذا قد صوّبت قوانين شديدة في كثير من الدول في سبيل مكافحة أمثال هذه القوى المافيائية في الجامعات.
    كما يمكن نشوء مثل هذه المافيا في دائرة صغيرة. فعلى سبيل المثال بإمكان عدد من الموظفين في الدائرة أن يتواطؤوا معا على تنصيب أو عزل من يشاؤون. إن إزالة هذه الشبكات المافيائية من أصعب وأعقد الأعمال. فالساحة السياسية هي مجال تبلور شبكات القوى المافيائية.
    أحد الطرق التقليدية في كبح هذه الفئات المافيائية، هي المنافسة بين مختلف الفئات المافيائية؛ أي كبح بعض المافيات ببعضها، من قبيل كبح قوة رئيس عصابة برئيس عصابة أكبر. والقاعدة التي تمارس في العالم اليوم، هي هذه القاعدة. في هذا العالم اليوم يتم تقييد أصحاب رؤوس الأموال بمن يملك رؤوس أموال أضخم. الواقع الذي نعيشه في العالم، هو أن الناس وحتى القانون ليست لهم سيطرة على أصحاب رؤوس الأموال، بل تتمّ السيطرة عن طريق التنافس بينهم. فتقيّد العصابة المافيائية بالعصابة المافيائية الأخرى. واليوم نشاهد هذه العصابات المافيائية تحت عنوان «الحزب».
    إن ما ندّعيه في هذا البحث هو أن الطريق الوحيد في كبح القوى المافيائية في المجتمع هو الولاية. وبعبارة أخرى، إن المعادلات السياسية في المجتمع والتحديات التي تواجه حركة المجتمع تفرض علينا أن نخضع للولاية. ومن الواضح أن معنى هذا الكلام هو أن كل الطرق سوى هذا الطريق إما أنها لم تجد نفعا، أو أن أثرها موّقت غير دائم. وسنثبت صحة هذا الإدعاء في الأبحاث القادمة إن شاء الله.

    ضرورة الحدّ من القوى

    كما أشرنا سابقا، في خضم الحياة الاجتماعية للناس وفي ظل هذا النظام التسخيري تتكوّن قوى مختلفة. ولا يمكن القضاء على هذه القوى وإن أمكن فليس بمطلوب. إن عدم مطلوبية حذف القوى بسبب أن الحياة الاجتماعية لا تمشي بدون تنظيم وترتيب، إذن لابدّ من وجود هذه السلطات في سبيل إدارة المجتمع.
    أما عدم إمكان حذف القوى فهو راجع إلى الفوارق الموجودة بين الناس، وهذا ما يؤدي إلى تسلط بعضهم على بعض. حتى الخوارج الذين رفعوا شعار «لا حكم إلا لله» وأعرضوا عن ولاية أميرالمؤمنين (ع) وادّعوا بأنهم لا يحتاجون إلى أمير، في بداية الجلسة التي عقدوها قبل حرب نهروان طرحوا موضوع تعيين القائد والأمير على أنفسهم.[2]
    فنظرا إلى عدم المناص من تكوّن القوى في المجتمع وعدم إمكان حذفها فضلا عن كونه غير مطلوب، فلا بدّ من الرقابة والسيطرة عليها. وإلا فسوف يستولي طلاب السلطة على مواقع السلطة ما تؤدي سلطتهم إلى مشكلتين: المشكلة الأولى هي أنه قد يبدأ هؤلاء بالتعسف على الناس وعدم توفير مصالحهم كما قد لا يؤمّنون التنظيم المناسب في سبيل ازدهار حياة الناس وفي كلمة واحدة قد يظلمون الناس.
    لعل بعض الناس قد استسلموا لهذه الظاهرة وقالوا: «ليس لنا مفرّ من هذا الأمر، والواقع هو أن القدرة بيدهم». وإن كان هؤلاء قد رضوا بحماقة الابتعاد عن السياسة واستسلموا للظلم، ولكن لا ينبغي أن نغفل عن هذه الحقيقة وهي أن المشكلة لن تقف إلى هذا الحدّ بلا ريب، إذ عندما تقع السلطة بيد طلاب السلطة وغير الصالحين، تنشأ مشكلة أخرى وهي ذهاب الناس ضحية أثناء تعارض القوى. يعني عندما يستولي على السلطة أحد طلّاب السلطة، يبدأ بظلم الناس ومضافا إلى ذلك، يضطرّ الناسَ إلى الحرب والقتال من أجله فيما إذا تنازع مع قوّة وسلطة أخرى. إذن لا يمكن أن نترك القوّة والسلطة سدى ولابدّ من حلّ ومخرج نجد لها.

    يتبع إن شاء الله...


    .1المافیا (Mafia) هي عصابة إجرامية خفية في صقلية. تم تأسيس هذه العصابة في أواسط القرن 19 ميلادي في سيسيل، وامتدّت بعد ذلك إلى شرقي الإيالات المتحدة الأمريكية واستراليا. أما اليوم فأصبح هذا المصطلح تعبيرا عن الجهات الخفية المتخشخشة في مراكز قوى البلد والتي تمدّ مخالبها كشبكة أخطبوطية للسيطرة على الشبكات المالية والتجارية والصناعية في البلد.
    .2تاریخ الطبري، ج5، ص75.




  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Sep 2013
    المشاركات
    562

    افتراضي وقفة عند أسرار الولاية 7

    لابدّ من وجود سلطة مطلقة شاملة

    ذكرنا لحدّ الآن أن الفوارق الموجودة بين الناس تُكوِّن مختلف القوى في المجتمع. وفي خضمّ تبلور هذه القوى قد يطغى البعض ويتعدّى على حقوق الآخرين. فانطلاقا من كون الإنسان مضطرا إلى الحياة الاجتماعية بلا مناص، ومن جانب آخر بما أنه لابدّ لهذا الإنسان أن يعيش حياة اجتماعية هادئة وسعيدة مع باقي الناس، إذن يتحتّم عليه أن يقف أمام بعض العوارض والتداعيات السلبية التي قد تترتب على تبلور مختلف القوى في المجتمع.
    الخطوة الأولى التي يجب أن نخطوها في سبيل الوقوف حيال نشوء الظلم ومعالجة مشاكل المجتمع البشري بالرغم من وجود الفوارق بين الناس التي توفّر أرضية تبلور القوى المتعددة، هي وجود سلطة مركزية ذات ولاية مطلقة وواسعة على الجميع. طبعا لا دخل لنا حاليّا بالجهة التي تتصدى لاستلام زمام هذه السلطة المطلقة، بل إنما نحن الآن بصدد إثبات هذه الحقيقة وهي أن من أجل الوقوف أمام تفشّي الظلم والتعدّي في هذا النظام التسخيري، لابدّ من وجود قائد واحد قويّ، أو بعبارة أخرى سلطة مسيطرة مركزية واحدة.
    إن طبيعة السلطة تقتضي أن تتصدّى قيادة مركزية واحدة لإدارة المجتمع البشري برّمته وتكون هي المسؤولة على مراقبة حركة الحياة. هذا ما تقتضيه طبيعة السلطة. فإذا اجتمعت القوى مع بعض كعناصر متناثرة فهذا ما يؤدي إلى فساد. إذ لا تستطيع جهة أن تضمن النظام في المجتمع.
    ما هو الاستدلال الذي طرحه الأمريكان على إنشاء النظام العالمي الجديد؟ ما هي الأسس المعتمدة في تأسيس الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والمحكمة الدولية وباقي المؤسسات الدولية؟ لقد تمّ تأسيس جميعها على أساس يرغب إليه الإنسان في تنظيم العالم. إذ عندما تكون هناك قوى متعددة في العالم، تكون أكبر مصائب هذا العالم هو نزاع القوى فيما بينهم. إذا أردنا أن نستقرئ قصة تاريخ الإنسان من أوله إلى آخره، نجد أن كل هذا التاريخ يدور حول محور الحرب بين القوى. إذن ضرورة وجود سلطة مركزية مطلقة مطاعة من قبل الجميع أمر لا ريب فيه.
    فملخص الكلام هو أنه باعتبار وجود الظام التسخيري في حياة الإنسان والذي يتمخض من الفوارق الموجودة بين الناس، فلا بدّ من تسلط بعض الناس على غيرهم، وفي سبيل علاج النزاع بين القوى الذي هو من أهم عوامل مصائب الإنسان، لا مناص من وجود سلطة مركزية أعلى من جميع هذه القوى لتقوم بتنظيمها. وبعبارة أخرى، إن من خصائص القوة والسلطة هي أنه لا يمكن تحقيق النظام والاستقرار في المجتمع مع وجود هذه القوى المتناثرة إلا أن تنتهي سلسلة جميع هذه القوى إلى سلطة مركزية مطلقة.

    ليست السلطة مدعاة للفساد دائما

    من جملة القضايا التي باتت اليوم من القضايا المسلمة والمفروغ عنها بين جميع العلماء والمفكرين هي أن «القوة مدعاة للفساد»؛ يعني كلّ من يحصل على سلطة وفي أي مكان، سيعتريه الفساد. فمن هذا المنطلق لابدّ من الوقوف أمام نشوء السلطة المطلقة. طبعا وبالتأكيد أنه من حقّ الغربيين أن يقروا بهذه العبارة كقضية مسلمة، إذ أنهم لم يروا إلا ما كان حولهم، وقد وصلوا إلى هذه النتيجة من خلال التجارب التي عاشوها فشاهدوا أن كلّ من استلم السلطة قد استغل سلطته لأغراض سلبية وتعرّض للفساد.
    ولكن الحقيقة هي أن السلطة ليست بمفسدة للجميع. بل بالعكس فإنها «مطهرة» لبعض الناس. أساسا إن الله يمتحن بعض الناس من خلال القوة والسلطة، وبعضهم ينجحون في هذا الامتحان ويزدادون طهارة وتزكية. لم يكن موقف الله تجاه هذه القوة موقفا انفعاليا. إن الله هو الذي فرّق بين مواهب الناس وقابلياتهم ووفّر الأرضية لتسلّط بعض الناس على الآخرين ليمتحنهم.
    أحد طرق تزكية النفس هو السلطة. ومن هذا المنطلق نجد أن الله قد أعطى لبعض أوليائه قدرة خارقة، فإنه أراد أن يطهرهم بهذه القدرة. عندما نقرأ أو نسمع بأن العرفاء يملكون قدرات عجيبة، فهذا هو السبب. إذن إن القدرة مطلوبة من جانبين: الجانب الأول هو أنها أداة إدارة المجتمع وسوف نتطرق إلى هذا الموضوع في المستقبل، والجانب الآخر هو أنها وسيلة لامتحان الله وتطهير وتزكية النفس.
    إحدى الإشكالات التي توجّه لنظريّة الولاية هي أنه على أساس هذا المنهج، تعطى القوى كلّها لشخص واحد، ونعلم جميعا أنه إذا تمّ تسليم السلطة المطلقة لشخص واحد، فهذا ما يؤدي إلى فساد. ولكنّ ما نتبناه هو أن السلطة مدعاة للفساد لمن كانت في وجوده أرضية السوء والفساد، بيد أنها تزيد من طهارة الإنسان الصالح المهذب.
    نحن نشاهد هذه الحقيقة حتى بين العاديّين من الناس. فعلى سبيل المثال إن أولياء المقتول عادة ما يطالبون بالقصاص ويؤكدون على إعدام المجرم ما لم يُلق القبض عليه وقبل أن يثبت جرمه، ولكن بمجرّد أن يلقى القبض على القاتل ويصدر حكم القصاص من المحكمة، كأن قلبهم يهدأ من غليانه. يعني عندما يحصلون على القدرة، يطمئنّ قلبهم وقد يترّفعون عن مطالبة القصاص ويعفون عنه بسهولة. هذا مثال بسيط، ولكن في كثير من الأحيان نستطيع أن نصلح الناس من خلال منحهم بعض الشيء من القوة والسلطة.
    فعلى سبيل المثال، أفضل طريق للسيطرة على الرجال في الحياة الزوجية وتهدئتهم هو أن لا يعملن النساء في سبيل تضعيف شعور سلطة الرجال في البيت. حيث إذا شعر الرجال باحترام رئاستهم وسلطتهم في داخل الأسرة، يزدادون عطفا ورحمة بأهلهم. فمن هذا المنطلق إذا أردن النساء أن يرتاح بالهنّ داخل البيت وحتى فيما إذا أردن أن يجعلن أزواجهن يطيعونهن ويسلّمون لأمرهن لابدّ لهن أن يحترموا منصب الرجل الرئاسي في البيت. إن السلطة لا تسبب الفساد دائما. نعم، بعض الرجال قد يستغلّ إطاعة زوجه ويظلمها، ولكن عموم الرجال ليسوا كذلك.
    لقد عشنا أيام الجبهة والدفاع المقدس وشاهدنا أثر الرئاسة والسلطة في تطهير القلوب. فعلى سبيل المثال الشاب الذي كان مجاهدا عاديا بلا أي منصب كان مشاغبا أحيانا، ولكنه بمجرّد أن يصبح قائد الحضيرة يتحسن سلوكه، وعندما يصبح قائد السرية يزداد تحسنا في سلوكه، فصبح من المواظبين على صلاة الليل والاستغفار والمستحبات. نحن لا نخشى من هذا الإشكال و هو أنه «لا ينبغي أن تسلّم السلطة المطلقة لشخص واحد، باعتبارها مدعاة للفساد ومن هذا المنطلق لابد أن نقيّد هذه السلطة بمختلف الأساليب». نحن نؤمن بضرورة الرقابة على القوى في المجتمع وإن هذه المراقبة عمل معقد جدا والطريق الوحيد لها هو إعطاء السلطة المطلقة لإنسان صالح. طبعا هذا هو موضوع نقاشنا في هذه الرسالة ونحن بصدد إثبات هذا الإدعاء.

    يتبع إن شاء الله ...


+ الرد على الموضوع
صفحة 1 من 5 1 2 3 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المواضيع المتشابهه

  1. حب الحسین وعلاقته بالفطرة، للأستاذ بناهيان
    بواسطة مجاهد في المنتدى الاسلام
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 17-07-2014, 02:32 PM
  2. رؤية جديدة إلى موضوع الحجاب، للأستاذ بناهيان
    بواسطة مجاهد في المنتدى المرأة
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 23-06-2014, 02:00 PM
  3. جمال الدين وبدائعه للأستاذ بناهيان
    بواسطة مجاهد في المنتدى الاسلام
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 23-01-2014, 05:37 PM
  4. مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 14-11-2013, 10:57 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك