شُــعراء من حمــص
ديك الجِـن الحمصــي
777 ـ 849 م
المهندس جورج فارس رباحية
هو عبد السّلام بن رغبان بن عبد السّلام بن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن يزيد بن تميم. بن مجد ، أبو محمد الكلبي ، الحمصي ، السلماني ، الشيعي ، المعروف بديك الجن . وكان جدّه حبيب كاتباً في أيام الخليفة المنصور سنة ( 143هـ ، 760 م ) وجدّه تميم من أهل مؤتة (1) وٌلِدَ في حمصَ سنة (161 هـ ، 777 م ) في أحد أحياء حمص القديمة :( باب الدّريب)
عاش عبد السّلام ضمن أسرة متعلِّمة ومعروفة فمن الطبيعي أن يُدْفَعَ إلى المسجد حيث حلقات الدرس ومجالس العلماء وفيه تلقَّى علوم الدين واللغة والأدب والتاريخ فهــو القائل :
ما الذنب إلاّ لجــدّي حين ورَّثني عِلماً وورثه من قبل ذاك أبي
وسارت حياته الشبابية على صورة واحدة لا تتخطّاها ولا تحيد عنها فكان يهوى الملذَّات بكافة أشكالها وألوانها وأدمن على الخمر وأتقن قواعد الغناء والموسيقى وكان حسن الصوت ويجيد الضرب على الطنبور ، وكان له ابن عم يُكَنّى أبا الطيِّب قال عنه إنه خليعاً ماجنـاً .
هناك عدة أقوال لسبب تلقّبه بديك الجـن :
ـ إنها دويبة صغيرة تعيش في البساتين لكثرة تنقّله في بساتين حمص كالميماس .
ـ إنها دويبة تعيش في خوابي الخمرة لكونه شرّيباً وخمّيراً .
ـ إنه يملك عينين خضراوين تشبه لون الحشرة .
فاق شِعره شعراء عصره وطار صيته في الآفاق حتى صار الناس يبذلون الأموال للحصول على قصيدة من شِعره وقال عنه ابن ( شهراشوب ) في كتابه : شعراء أهل البيت : لقد افتتن َبشِعْره الناس في العراق وهو في الشام . واحتلَّ شعره مكانة هامة بين أقطاب حركة التجديد الشعرية التي بدأت ببشّار بن بُرْد واستوت على يدي أبي تمام ( حبيب بن أوس ) صديقه وتلميذه حيث أعطاه الكثير من شِعره وقال له يافتى تكَسَّب بهذا واستعِن به على قولك منفعة في العلْم والمعاش . كذلك لمّا مرَّ أبو نوّاس بحمص قاصداً مصـر زار ديك الجن في بيته وسمعَ شِعره وقال له فتنت أهل العراق بوصْفك الخمر :
بها غيرَ معدولٍ فداوِ خُمارَها وَصِلْ بِعَشِيّاَتِ الغُبُوقِِ ابتكارَها (2)
وقـيل إن عدد قصائده بلغت 183 قصيدة .
لم يعرف عبد السلام الحُب الإنساني إلا حين لقائه مع جارته النصرانية ( وَرْدْ ) الذي أحبَّها وأحبّته فأسلمت وتزوّجها وهو القائل :
انظر إلى شمسِ القصورِ وبدرها وإلى خزاماها وبهجةِ زهـرها
لم تَبْلُ عينُكَ أبيضاً في أســودٍ جمع الجمال كوجهها في شعرِها
وردية الوجنات يختبر اســمها من ريقها من لايُحيط بخبـرها
وتمايلت فضحكن من أردافــها عجباً ولكني بكيت لخصــرها
تسقيكَ كأسَ مــدامةٍ من كـفِّها ورديَّةٍ ومُدامَــةً من ثغــرها
وكانت مأساته الكبرى في حياته قتله لزوجته بسيفه وبيده ، حيث هناك روايات مختلفة في أسباب قتلها منها إن قتلها كان إثرَ مكيدة دبّرها ابن عمّه الذي يُكَنّى أبا الطيّب عندما صدَّته وَرْدْ له بعد العديد من المراودات والعروض التي قدّمها لينال من نفْسها .ولمّا عاد ديك الجن من السلمية ـ حيث كان في زيارة لأحمد بن علي الهاشمي ـ بعدما بلغه خبر وَرْدْ وأخبره ابن عمّه عن سوء تصرّفها الغير أخلاقي أثناء غيابه فقتلها ،ولما تحرّى الأمر وعرِف إنه مخدوع نَدِمَ على فعلته كثيراً ورثاها بأجمل القصــائد وتوفي بعد سنوات مليئة بالحزن والهَمّ والندم على قتلها في حمص ودُفِنَ فيها وذلك في ســـنة ( 235 هـ ، 849 م ) ، أيام الخليفة العبّاسي المتوكِّل .
وأطلقت بلدية حمـص اسمه على أحد شوارعها في حي ( الحميدية ) وسُمّي أحد مقاصف الميماس باسمه ، كما كتب الفنان فرحان بلبل مسرحيتان (الليلة الأخيرة وديك الجن ) وصدرا بكتاب عن طريق اتحاد الكتاب العرب عام 2005 .
وقال الشاعر الكبير نزار قباني يصف قتل ديك الجن لِوَرْدْ :
إني قتلتك واستــرحت
يا أرخص امرأة عرفت
أغمدت في نهديكِ سكّيني
وفي دمكِ ..... اغتسلت
وهــذه مقتطفــات من قصـائده :
1 ـ قـال يرثي أبا تمّــام الطائي :
فُجِعَ القريضُ بخاتمِ الشُعراءِ وغدير روضتها حبيب الطائي (3)
ماتا مَعاً فتجاورا في حُفْرةٍ وكذاكَ كـانـا قبلُ في الأحياءِ
2 ـ قـال في رثاء الحسين بن علي (عليه السلام ) :
يا عينُ لا للقضــا ولا الكتــبِ بُكا الرزايا سوى بُكا الطرب
3 ـ قـال يرثـي وَرْداً :
بأبي نَبَذْتُكِ بالعـراءِ المقْـفِرِ وستَرتُ وجهـكِ بالتـرابِ الأعفرِ
بأبي بذلتكِ بعد صونـكِ للبلى ورجعتُ عنكِ صبرتُ أو لم أصبرِ
لو كنتُ أقدِر أن أرى أثرَ البلى لتركـتُ وجهَـكِ ضاحياً لم يُقْبَـرِ
4 ـ قـال يفتخــر :
إن العُــلا شيَمي والبأس َمن نقمي والمجدَ خلْطُ دمي والصدْقَ حشو فمي
5 ـ قـال في جهل الإنسان وقت موته :
الناسُ قـد علموا أنْ لا بقاء لهم لو إنهم عملوا مقدار ما علموا
6 ـ قـال يهجـو نفْسه :
أيّـها السَّائلُ عَنّـي لسْتَ بي أخبـرَ منّي
أنا إنسانٌ يراني اللـــــه في صورة جنّـي
بل أنا الأسمجُ في العـــينِ فدعْ عنك التظنّي
أنا لا أسلَم من نفســـــي فمن يسلمُ منّي ؟
6/2/2008 المهندس جورج فارس رباحية
المفردات : (1) مؤتة : موقع جنوب شرق البحر الميت
(2) الخُمار : صُداع الخمر . الغُبوق : شرب المساء
(3) القريض : الشِعْر
المصادر والمراجع :
ـ ديوان ديك الجن الحمصي : مظهر الحجي ، اتحاد الكتاب العرب 2004
ـ ديوان ديك الجن الحمصي : عبد المعين الملوحي ـ محي الدين الدرويش 1960
ـ تاريخ حمص ج2 : منير الخوري عيسى أسعد 1984
ـ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973
ـ مواقع على الإنترنت :