+ الرد على الموضوع
صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة
النتائج 21 إلى 30 من 40

الموضوع: قرأت لكم .. " سلسلة الأدب العالمي "

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    انا وخلى كل ارض وطنا
    المشاركات
    46,513

    افتراضي



    شط العرب


    أسعد الله أوقات الجميع


    سنستكمل الليلة آخر جزء من قصة الرهان ...



    عبر كتبك-سيدي-امتطيت قمم الجبال الشاهقة لـ"البروز"و"مونت بلنك".. و اكتحلت عيناي في ذراها بمرأى الشمس يتفتق عنها صدر الأرض..هناك في آخر العالم.. فتسكب إبان غروبها صبابة الذهب تطلي بها السماء و المحيط و رؤوس الجبال..سمعت هناك في الأعالي دوي الرعد.. و رأيت وميض البرق يقدّ الفؤاد الغيوم كسيف عنترة بن شداد .. رأيت غابات خضر و بيادر و حقولاً و جداول و أنهاراً و مدناً...و لمست يداي أطراف أجنحة النوارس المبحرة في خضم السماء .. في كتبك-سيدي-سبرت غور بحار لجّيّة ... صنعت المعجزات أحرقت مدناً عن بكرة أبيها و حررت أقطاراً !

    لقد منحتني كتبك الحكمة كل الحكمة ... إن عبقرية الإنسان و حصاد فكره الفذّ قد اختزل الآن في جمجمتي.. و أنا على يقين الآن بأني أفوقكم طرّاً علماً و ثقافة و ذكاء و حكمة ...

    على أني الآن أحتقر كل كتبك ..أمقت النعيم الدنيوي و حكمة الإنسان ..فقد أدركت أن كل شيء ما خلا الله باطل ... و أن كل ما بنا من نِعَم و ما لدينا من متع.. ماهو إلا سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً... أيقنت-سيدي-بأنك مهما كنت جميلاً غنياً حكيماً..فإن يد الموت لاشك ستمتد إليك لتمحوك عن وجه البسيطة..فتتساوى بذلك مع الجرذان النافقة تحت الأرض ... عندها لن ينفعك مال و لابنون إلا من أتى الله بقلب سليم..

    تعساً لكم بني آدم ... تحسبون الزيف حقيقة .. و تخالون القبح جمالاً و تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ...

    كم أحتقر ما تمجّدون و خير دليل على ذلك .. هو إنني سأتنازل طائعاً مختاراً عن مبلغ الرهان المتفق عليه ..ذاك الذي طالما حلمت بأنه المفتاح إلى عوالم السعادة و النعيم ..ذلك الذي أمقته الآن فهو لا يساوي في نظري شيئاً .. أجل سأحرم نفسي من حق الحصول عليه إذ أني سأغادر هذا المكان قبيل الموعد المضروب بخمس دقائق ... فأكون بذلك قد خالفت بنود الأتفاقية و يصبح المصرفي في حلُّ ساعتها من دفع المتفق عليه لي ..

    عندما أنهى المصرفي قراءة ذلك وضع الورقة بهدوء على المنضدة ثم انحنى فقبّل في حنان رأس الرجل الغريب و انخرط في بكاء عميق قبل أن يغادر الجناح ..

    ما أحس في أيّ وقت مضى بازدراء ذاتي كذلك الذي أحس به آنذاك مطلقاً ...حتى يوم مُنيَ بخسارة فادحة في سوق البورصة .. و ما أن دخل بيته حتى استلقى على سريره لكن العذاب و الدموع و الألم لم يسلمه للنوم إلا بعد مضي وقت طويل ...

    في صبيحة اليوم التالي جاءه الحارس المسكين يعدو .. و أخبره بأنهم قد بصروا السجين يتسلل من النافذة إلى الحديقة التي لفظته بعد أن عبر بوابتها ..

    و هرع المصرفي من فوره مع حارسه إلى غرفة السجين فكتب تقريراً بذلك و لتلافي ماقد ينتشر من إشاعات أخذ ورقة التنازل الخطي للسجين من على المنضدة و إبان عودته أقفل عليها باب خزانته ..

    تمت



    شط العرب



  2. #22
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    انا وخلى كل ارض وطنا
    المشاركات
    46,513

    افتراضي

    شط العرب



    تحية عطرة يا حلوين


    عدت إليكم اليوم لنستمتع بالقراءة في رحاب الروايات العالمية و سنطّلع اليوم على أعمال


    الكاتب و المسرحي " ألبير كامو " ... و سنبدأ كما في كل مرة بعرض نبذة صغيرة عنه





    ألبير كامو (7 نوفمبر 1913 - 4 يناير 1960) فيلسوف وجودي وكاتب مسرحي وروائي فرنسي مشهور ولد بقرية موندوفي من أعمال قسنطينة بالجزائر، من أب فرنسي، وأم أسبانية، وتعلم بجامعة الجزائر، وانخرط في المقاومة الفرنسية أثناء الاحتلال الألماني، وأصدر مع رفاقه في خلية الكفاح نشرة باسمها ما لبثت بعد تحرير باريس أن تحولت إلى صحيفة combat الكفاح اليومية التي تتحدث باسم المقاومة الشعبية, واشترك في تحريرها جان بول سارتر. ورغم أنه كان روائيا وكاتبا مسرحيا في المقام الأول, إلا أنه كان فيلسوفا. وكانت مسرحياته ورواياته عرضا أمينا لفلسفته في الوجود والحب والموت والثورة والمقاومة والحرية، وكانت فلسفته تعايش عصرها، وأهلته لجائزة نوبل فكان ثاني أصغر من نالها من الأدباء. وتقوم فلسفته على كتابين هما ((أسطورة سيزيف)) 1942 والمتمرد1951 أو فكرتين رئيسيتين هما العبثيةوالتمرد ويتخذ كامو من أسطورة سيزيف رمزا لوضع الإنسان في الوجود، وسيزيف هو هذا الفتى الإغريقي الأسطوري الذي قدر عليه أن يصعد بصخرة إلى قمة جبل، ولكنها ما تلبث أن تسقط متدحرجة إلى السفح, فيضطر إلى إصعادها من جديد, وهكذا للأبد، وكامو يرى فيه الإنسان الذي قدر عليه الشقاء بلا جدوى، وقدرت عليه الحياة بلا طائل, فيلجأ إلى الفرار أماإلى موقف شوبنهاور : فطالما أن الحياة بلا معنى فلنقض عليها بالموت الإرادي أب بالانتحار، وإما إلى موقف اللآخرين الشاخصين بأبصارهم إلى حياة أعلى من الحياة, وهذا هو الانتحار الفلسفي ويقصد به الحركة التي ينكر بها الفكر نفسه ويحاول أن يتجاوز نفسه في نطاق ما يؤدي إلى نفيه, وإما إلى موقف التمرد على اللامعقول في الحياة مع بقائنا فيها غائصين في الأعماق ومعانقين للعدم, فإذا متنا متنا متمردين لا مستسلمين. وهذا التمرد هو الذي يضفي على الحياة قيمتها, وليس أجمل من منظر الإنسان المعتز بكبريائه, المرهف الوعي بحياته وحريته وثورته, والذي يعيش زمانه في هذا الزمان : الزمان يحيي الزمان.


    شط العرب



    و الآن سأعرض عليكم ملخصا عن روايته التي حازت جائزة نوبل " رواية الطاعون "




    شط العرب


    تتلخص أحداثها بأن ألوفاً من الجرذان قد خرجت من مخابئها فى وهران لتموت على قارعة الطرقات ، و فى المنازل ، نذيراً بالطاعون الذى تفشى فى المدينة. فنجمت فجأة حالة مضعضعة للسكان أدت إلى هرب بعضهم ، و انفصال آخرين عن أحبائهم ، و نزول الرعب فى القلوب ، و انكماش الناس و تقوقعهم. و تطور الوباء ، محطماً النفوس ، منتزعاً ما فيها من خير ، مشيعاً فيها اللامبالاة بالمعذبين. و تحول بعض السكان إلى الصلوات و إلى الله ، أو عمدوا إلى التعاويذ و إلى استكشاف المستقبل بالسحر و الشعوذة. و قلة ضئيلة منهم نظرت إلى الكارثة بهدوء ، و نظمت أمرها لمجابهتها ، على رأسها تارو و الدكتور ريو. و قد تعرض هذان المناضلان للموت بلا تأثر ، و ثابرا على إسعاف المرضى ، و مكافحة الطاعون ، و لا دافع لهما فى هذه المعركة الرهيبة إلا إحساسهما بالإشفاق على ضحايا الداء أو القدر ، و بواجب التصدى للشر. و قد أدركا من التجربة أن محاربة الجراثيم أمر طبيعى و مألوف فى كل زمان و مكان ، و أن النزاهة ، و الصفاء ، و المثابرة على العمل فى الملمات العاصفة هى نتيجة إرادة عنيدة و مستمرة لا تتجلى إلا فى الكوارث ، و المواقف المصيرية. و انضم إليهما جماعة من المتطوعين فى المعالجة ، و إسعاف المحتضرين ، و دفن الموات و تشجيع من تبقى من الأصحاء على احتمال الرعب المدمر للنفوس ، و تأمين ضرورات الحياة اليومية. و هكذا استمر الطاعون فى زحفه أياماً ، يحصد الكبار و الصغار ، الأقوياء و الضعفاء ، الصالحين و الأشرار ، الأصدقاء و الأعداء ، و المكافحة ناشطة فى مسيرتها المتزنة ، الواعية ، المجاهدة ، إلى أن بدأت الأزمة بالانحسار ، و الوباء بالتلاشى شيئاً فشيئاً. و لما استعادت المدينة هدوءها ، ثم شؤونها العادية ، ثم أفراحها و لامبالاتها ، و رجع الذين كافحوا بلا هوادة إلى رتابة الحياة ، شعر هؤلاء أن المآثر التى أقدموا عليها خلال العاصفة ما هى إلا نتيجة لما أرادوه لأنفسهم من عمل ، و مستوى ، بالتزامهم جانب الانسان المعذب ، الضائع. و لا ريب أن الكاتب قد اتخذ من هذه الأحداث و ويلاتها رمزاً لحالة الانسان فى واقعه ، مصوراً فى براعة مدهشة ، تصرف كل فرد أمام قضية مصيرية تحتم على كل فرد اتخاذ موقف يمثل ما فى إرادته من عزم ، أو خور ، و تصد ، أو هروب. فيرضى بعضهم بالهزيمة ، و يصمد بعضهم الآخر للدفاع عن كرامة الانسان متحدياً القدر الأعمى .



    و إليكم رابطا لتحميل الرواية لمن أراد قراءتها :



    http://www.liillas.com/kleeja/downlo...X19fLmh0bWw%3d




    شط العرب




  3. #23
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    انا وخلى كل ارض وطنا
    المشاركات
    46,513

    افتراضي

    شط العرب


    أسعد الله أوقاتكم أحبتي


    سنقرأ اليوم للروائي الشهير " دوستويفسكي '' و دعونا نتعرف عليه في نبذة مختصرة أولا



    شط العرب



    فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي (Фёдор Михайлович Достоевский)؛ ؛ (11 نوفمبر 1821- 9 فبراير 1881).
    واحد من أكبر الكتاب الروس ومن أفضل الكتاب العالميين، وأعماله كان لها أثر عميق ودائم على أدب القرن العشرين.
    شخصياته دائماً في أقصى حالات اليأس وعلى حافة الهاوية، ورواياته تحوي فهماً عميقاً للنفس البشرية كما تقدم تحليلاً ثاقباً للحالة السياسية والاجتماعية والروحية لروسيا في ذلك الوقت.
    العديد من أعماله المعروفة تعد مصدر إلهام للفكر والأدب المعاصر، وفي بعض الأحيان يذكر أنه مؤسس مذهب الوجودية .







    وقد ترجمت اعماله إلى العديد من اللغات وأصبحت افكارها وشخصياتها جزءا من تراث البشرية الروحي. ان اثمن ما في تراثه هو رواياته. وقد اشتهرت في العالم بصفة خاصة روايتا "الجريمة والعقاب" و"الاخوة كارامازوف" اللتان عبرتا باكمل صورة عن فلسفة الكاتب. بيد ان رواياته الأخرى "مذلون ومهانون" و"الابله" و"الشياطين" و"المراهق" على جانب كبير من الاهمية والطرافة. كان دوستويفسكي إنسانا ابيا وعنيدا في الدفاع عن معتقداته، وقد ترك ذلك كل بصماته على اعماله.






    شط العرب








    و الآن تعالوا معي لنغوص في روايته " حلم رجل مضحك " و سأرويها لكم عبر أجزاء :







    شط العرب







    (( 1 ))

    أنارجلٌ مضحك، وهم ينعتونني الآن بالمجنون، وقد كانَ من شأن هذا النعت أن يكونَ رفعاً من قَدْري لو أنّهم تراجعوا عن اعتباري مضحكاً، كما فعلوا في السابق. لكنني بعد اليوم لن أغضبَ عليهم، فجميعُهم لطفاء بالنسبة لي حتى وهم يهزؤون بي، بل لعلهم يصبحونَ أكثر لطفاً حين يفعلونَ ذلك، ولو لم أكن شديد الحزنِ وأنا أنظر إليهم لضحكت معهم ـ ليسَ على نفسي بالطبع ـ ولكن لكي أُسرّي عنهم، شديد الحزن لأني أراهم يجهلونَ الحقيقة؛ بينما أعرفُها أنا، ما أصعَبَ الأمرَ على من يعرف الحقيقةَ وحده،إنهم لن يفهموا ذلك .‏لا،لن يفهموا.‏

    فيما مضى تألمتُ كثيراً حين بدوتُ مُضحكاً، لماذا أقولُ بدَوت، لقد كنت مُضحكاً، دائماً كنتُ مضحكاً، وأعلمُ ذلك، رُبّما منذُ ولادتي كنتُ كذلك، ولعلّي عرفت هذا في السابعة من عُمري، بعد ذلك درستُ في الثانويّة، ثُمّ في الجامعة وكنت كُلّما تعلّمت أكثر، أيقنتُ أنني مُضحك، حتى لكأن دراستي الجامعيّة كُلها ما وُجدت إلا لتبرهنَ لي وتقنعني ـ على قدرِ تعمّقي في العلومِ ـ بأنني مُضحك، سواءٌ في العلم أو الحياة،وعاماً بعد عام كنت أزدادُ يقيناً بأن لي شكلاً مضحكاً في شتّى المجالات، لقد ضحكَ عليّ الجميع وفي كل مكان، وما عرفَ هؤلاء أبداً أنّه إن كان ثَمّةَ من يدرك أكثر من الجميع على الأرض كم أنا مضحك فهذا الشخص هو أنا بالذات، وقد أغضبني كثيراً أن أحداً منهم لا يعرف ذلك، ولعلّي كنتُ مُذنباً في هذا الشأن: فقد كنت دائماً عزيزالنفس، ممّا منعني دائماً أن أعترفَ لأحدهم بذلك، وقد نمت عِزّة نفسي هذهِ مع السنوات، ولو حدثَ في يومٍ من الأيام أن اضطررتُ للاعترافِ بأنني مضحك أمام شخصٍ ما لهشّمت جمجمتي بطلقةِ مُسدّس في مساء اليوم ذاته، كم تعذّبتُ في مُراهقتي من أنني قد لا أستطيع التحمّل وأعترف أمام رفاقي بأنني مضحك، ولكن ومنذ أصبحتُ شاباً ـ ورغم ازدياد معرفتي عاماً بعد عام بنوعيّتي الغريبة ـ بدأت أصبحُ لسبب ما أكثر هدوءاً واطمئناناً.‏






    شط العرب









    وما كل ذلك إلا لجهلي التام بحقيقة حالتي هذه، رُبّما يعودُ الأمرُ إلى تلك التعاسة الغامرة التي سيطرت علي إثر حالةٍ أقوى منّي؛ حالةٍ اقتنعْتُ فيها بشكلٍ راسخٍ وثابت أن لا شيء في هذهِ الحياة "يستحقُ الاهتمام"، كان الأمرُ فيما مضى مُجرّد شكٍ، لكنني اقتنعتُ بعد ذلك قناعةً كاملة، وأيقنتُ فجأةً بذلك يقيناً لا مَحيد عنه. بغتةً شعرتُ أنني لستُ معنياً سواءَ وجدَ هذا العالَمُ أم لم يوجد. وبدأتُ أشعرُ و أحسُ بكل جوارحي (أن لا شيء قد وجِدَ أثناء وجودي أنا)، في البداية كان قد تراءى لي أن أشياءَ جَمّة قد وجدت من قبلُ، ثُمَّ أدركتُ أن لا شيءَ من قَبلُ قد وجد أيضاً، ولكن لسبب ما تراءى لي ذلكَ الوجود، وشيئاً فشيئاً أيقنتُ أن لا شيءَ أبداً سيكون.‏

    وعند ذلك أصبحتُ فجأةً لا أغضبُ من الناس، بل ما عدتُ ألاحظُ وجودَهم.‏

    وقد تجلّى هذا في بعض التفاصيل الصغيرة جداً: مثلاً أنني كنت أسيرُ في الطريق فأصطدمُ بالناس، والأمرُ ليسَ بسبب استغراقي في التفكير: فبماذا سأفكر، يومها كنتُ قد توّقفت عن التفكير في أي شيء: لقد استوت الأمور كلها في عينيّ، وما عدتُ أهتمُ لأمرٍ ولا فكّرت في حلِ سؤال واحد؟ ثُمَّ هل كان ثمّة أسئلة شغلتني؟ (لم أكن معنياً بشيء) ولهذا تناثرت الأسئلة مبتعدة.‏






    شط العرب







    وهكذا بعد كل ما سبق عرفتُ الحقيقة، عَرفتُها في تشرين الثاني الماضي، وبالتحديد في الثالثِ منه، ومنذ ذلك الحين لم أنسَ لحظةً من تلك اللحظات، كان ذلكَ في ليلةٍ حالكة، ليلةٍ ما عرفتُ أكثر مِنها ظُلْمَةً، كنتُ عائداً في الحادية عشرة إلى منزلي وأذكرُ تحديداً أنني فكرّتُ أن من المستحيل وجود ظلامٍ دامسٍ كهذا، حتى من وجهةِ النظر الفيزيائيّة، كان المطَرُ قد تساقط طوال النهار، وكان من أكثر الأمطار برودةً وكآبةً، بل تهديداً، وعدائيةً للناس؛ أذكرُ ذلك، ثُمّ ها هو ذا يتوقف فجأةً قرابة الحادية عشرة ليلاً، و ترتفَعُ من الأرضِ رطوبةٌ أشدُ برودةً مما كان المطرُ قد صنعه، و يتعالى بخارٌ ما؛ من كل بلاطة في الشارع، ومن كلِ زقاقٍ يفضي إليه وتراهُ حين تُرسِلُ نظرك إلى البعيد، عندها تهيأ لي أن انطفاءَ مصابيح الغاز كلها سيبعثُ الفرح، لأنها على هذهِ الصورة تضيءُ وتظهر كل هذا الحزن، لم أكن قد تناولتُ طعاما لغداء ذلكَ اليوم، ومنذ بداية المساء جلستُ عند مهندسٍ وبصحبتِهِ رفيقيه.‏






    شط العرب







    و بقيت طوال السهرةِ صامتاً، مما بعثَ في نفوسهم المللَ مني، تحدّثوا في أمور مثيرة ثُمّ استولت عليهم الحماسة، لكنّهم كانوا في حقيقة الأمر يتصنّعون لم يكن يهمّهم ما يتجادلون حوله، وقد انتبهتُ إلى ذلك، فقلتُ لهم فجأةً: "أيّها السادة، إنكم في حقيقة الأمر لا تكترثون".‏

    لم يغضبوا مني، لكنّهم جميعاً ضحكوا ساخرين، رُبّما لأنني قلتُ ما قلته دون أي لوم، و لأنني ببساطة لم أكن معنيّاً بشيء، رأوا ذلك فغلبَ عليهم المرح.‏

    حين فكّرت في مصابيح الغاز وأنا في الطريق رفعتُ عينيَ إلى السماء؛ كانت شديدة الحُلكة، و بصعوبة يمكن تميزُ مِزق الغيوم، وبينهما بقعٌ سوداء عميقة، في إحدى تلك البقع استطعتُ أن أرى نجماً صغيراً فرحتُ أحدّقُ به متأمّلاً؛ لقد أيقظَ النجمُ فيّ فكرةً: في تلك الليلة قرّرتُ الانتحار، قبل شهرين منها كنتُ قد صمّمتُ على قتل نفسي، ورغم فقري الشديد اشتريتُ مسدّساً رائعاً، وحشوتُهُ في ذلك اليوم نفسه، ثُمّ مَرّ شهرانِ والمسدّسُ مرميٌ في الدُرج، وقد بلغتُ من شدّة عدم اكتراثي أن تمنيتُ في النهاية أن أقبضَ على دقيقة واحدة أحسُ فيها أن شيئاً ما يستحقُ الاهتمام، لماذا؟ لا أدري، وهكذا وخلال ذينك الشهرين كنتُ أعودُ إلى البيت كل يوم وأفكر بالانتحار، وأنتظر اللحظة المناسبة.‏






    شط العرب







    والآن يمنحني هذهِ النجم فكرةَ؛ أن أنفّذ ما عقدتُ عليه العزم في هذهِ الليلة "بالذات". أما لماذا قَدّم لي النجم هذهِ الفكرة ـ فلا أعلم!‏

    وفي اللحظةِ نفسها التي كنت أنظرُ فيها إلى السماء، أمسكت طفلةٌ كُمّي، كان الطريقُ قد أقفَرَ، وما من أحدٍ فيهِ تقريباً، بعيداً عني غفا حوذيٌ على مقعده، الطفلةُ كانت في الثامنة، تغطي رأسها بمنديل، وتَسْتَتِرُ بثوبها فقط، وهي مبللة تماماً، وقد لفتَ انتباهي حذاؤها المثقوبُ المبلل ولا زلتُ أذكُرُ منظرهُ حتى الآن، ولقَد تسمّرت عينايَ على منظر قدميها في الحذاء، راحت البنتُ تشدّني من كُمّي وتستنجدُ بي، لم تكن تبكي، ولكنَّها لشدّة عصبيتها غرغرت ببعض الكلمات التي لم تستطع نطقها جيداً، بسبب البردِ و ارتجافِها بقوّة، بدت مذعورةً لأمرٍ ما، ثم صَرخت يائسةً: "أُمّي، أُمِّي الحبيبة" التفتُ نحوها ولم أقل شيئاً بل تابعتُ مَسيري، ركضتْ خلفي،وهَزّتني، وتعالى صوتها كما يمكن أن تسمع من الأطفال المرعوبين اليائسين؛ أعرفُ أنا مثل هذا الصوت، ورغم أنها لم تقل ذلك فقد توقعت أن أمها تحتضرُ في مكان ما، أو أن شيئاً خطيراً حصَلَ لهما فانطلقت تستنجدُ بشخصٍ ما، تجدُ أحداً ما يساعدها، لكنني لم أذهب معها، بل راودتني فكرةُ نَهْرِها، قلتُ لها في البداية أن تبحثَ عن شرطي،ولكنّها أسرعت تضمّ يديها الصغيرتين وتتضرَعُ مبتهلةً وتركضُ إلى جواري رافضةً تركي، عندها قرعتُ الأرضَ بقدمي ونهرتُها، فما زادت عن أن تصرخ بي: "سيّدي!.. أيّهاالسيّد"، وغادرتني فجأةً قاطعةً الطريق مسرعةً كالسهم، باتجاهِ شخصٍ آخر على الرصيف المقابل.‏






    شط العرب







    صعدتُ إلى الطابق الخامس حيث أقيمُ؛ في شقةٍ مفروشة عند صاحب المسكن، غرفتي صغيرةٌ فقيرة،لا نافذةَ فيها إلا نصف كوّة صغيرة، عندي ديوان، طاولة تحملُ الكتب، كُرسيّان مقعد يتيم مُهلهل، لكن من طراز فولتير، جلستُ، أشعلتُ شمعة ورحتُ أفكّر.‏

    في الغرفة المجاورة كانَ الصخبُ مستمراً، لقد بدأ منذُ ثلاثةِ أيام، هناك يعيشُ كابتن متقاعد، وقد زارَهُ هذه المَرّة ستّة أشخاص أوغاد، شربوا الفودكا، ولَعِبوا لُعبةَ "الفرعون" بأوراقِ لعبٍ قديمة، في الليلةِ الماضية نشب بينهم عراك، وأنا أعلم أن اثنين منهما ظّلا لفترةٍ طويلة يجرُّ كل منهما الآخر من شَعْرِه. وقد أرادت صَاحبةُ المنزل أن تشكوهم لكنّها كانت تخشى الكابتن كثيراً، لم يكن في الشقة ـ بالإضافة لناـ إلا سيّدة نحيفة قصيرة، هي أرملة أحد الضبّاط، وقد جاءت إلى هذا المسكن مع أبنائِها الصغار الثلاثة، الذين سرعان ما مَرِضوا، لقد كانوا يخشون الكابتن ويخافونه، مما يجعلهم يرتجفون و يرسمون إشارة الصليب طوال الليل، حتى أن الطفل الأصغر كان يُعاني من نوبةٍ عصبيّة جَرّاء الرعب.‏

    كنتُ أعلمُ أن هذا الكابتن يستوقفُ العابرين في شارع نيفسكي طلباً للصَدَقة.‏








    شط العرب







    وما كان أحد يَدعوه للخدمةِ أو العمل، ولكن الغريب (وهذا ما دعاني لأتحدّث عنه) أن هذا الكابتن وقد مَرّ على سُكْناهُ مَعنا شهر كامل لم يُثرِ فيّ نفسي أي شعور بالنفور منه، لقد تجنّبتُ أي تعارفٍ بيننا منذُ البداية، مع أن مثل هذا الأمر لو حَدث لشعَرَ الرجلُ بالمللِ والضجرِ منّي منذ اللقاء الأوّل. لم أهتّمَ لأمرهم مهما صَرخوا خلفَ جدارهم ومهما كان عددهم، كان الأمرُ بالنسبة لي سيّان.‏

    كنت أجلسُ طوال الليل وفي الحقيقة لم أكن أنصت إليهم أو أسمعهم ـ بل لقد نسيتُ وجودَهم. لقد اعتدتُ أن أجلس على المقعد إلى الطاولة طوال الليل دون أن أفعل شيئاً، أما فيما يتعلّق بالقراءة فقد كنت لا أقرأُ إلا نهاراً، أجلسُ فحسب ولا أفكّر، بينما تَمّرُ بخاطري بعض الأفكار، التي سرعان ما أحرّرها لتذهب وفق إرادتها.‏

    احترقتْ الشمعة كُلّها تلك الليلة، وأنا أجلسُ صامتاً إلى الطاولة،أخرجتُ المُسدّس وضعتُهُ على الطاولة أمامي، و تذكرتُ حين فعلتُ ذلك أنني سألتُ نفسي:" هكذا إذاً؟"، ثُمّ أجبتُ حاسماً : "نعم" أي سأنتحر، وكنت أَعْلَمُ أنني على الأرجح سأنتحر في تلك الليلة، لكن إلى متى سأجلسُ على مقعدي قرب الطاولةِ قبل أن أفعل ذلك، لم أكن أعلم. ولا شك عندي أنني كنتُ انتحرت لو لم ألقَ تلك الطفلة في الليلة نفسها في الشارع.‏






    شط العرب




    يتبع ...




  4. #24
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    انا وخلى كل ارض وطنا
    المشاركات
    46,513

    افتراضي

    فاصل ونواصل

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    انا وخلى كل ارض وطنا
    المشاركات
    46,513

    افتراضي


    أسعد الله أوقات الجميع


    تعالوا نستكمل رحلتنا مع رواية " حلم رجل مضحك " ...



    شط العرب


    - 2 -



    رغم أن الأشياء من حولي ما كانت تعنيني، إلا أنني كنتُ أُحسُّ ـ على سبيل المثال ـ بالألم.‏

    فلو ضربني شخصٌ ما لشعرتُ بالألم. و الأمرُ مُماثِلٌ فيما يتعلّقُ بالمسائِلِ الأخلاقيّة أو الوجدانيّة: فحين يحدُثُ شيءٌ محزنٌ جداً، أشعُرُ بحزنٍ عميق كما كان شَأني عندما كنتُ أكترثُ بالدنيا من حولي. لقد شعرتُ بالشفقةِ منذُ قليل: كان بإمكاني أن أساعِدَ تلك الطفلة دونَ تردد، فلماذا لم أفعل؟ لعلّها تلك الفكرة التي انبجست عندما كانت البنت تشدّني من كُمّي و تدعوني لنجدتها، متمثّلة بسؤالٍ برزَ فجأةً نصب عيني و ما استطعتُ حَلّه؛ لقد كان سؤالاً نافِلاً لكنَّه أغضبني، أغضبني بسبب نتيجتِهِ التي تقول: ما دمتُ سأنهي حياتي الليلة، فالأولى أن أُصْبِحَ أقلَ اهتماماً بالدنيا في هذهِ اللحظات أكثر مما كنتُ في أي وقتٍ مضى، فلماذا شعرتُ فجأةً و بعدما سبق بأنني أشفِقُ على الطفلة و أكترثُ لحالها؟ أتذكر أنني حزنت لأجلها و أشفقتُ عليها كثيراً، ممّا لا ينسجِمُ مَع وضعي و ما أنا مقدمٌ عليه. حقيقةً... لا أتمكَنُ من رسم المشاعِر التي سيطرت عليّ لحظتها، لكنّها مشاعرُ لم تغادرني أبداً، و حين جلستُ إلى طاولتي في الغرفة، كانَ الغضبُ في نفسي يضطرمُ كما لم يحدث لي منذُ سنواتٍ طويلة، و بدأتِ المحاكماتُ العقليّة تترى الواحدة تلو الأخرى، و كنت أقلّبُ الأمور: إنني ما دمتُ إنساناً، و لستُ صفراً، وَ لم أصبح صِفراً بعدُ، فهذا يعني أنني أحيا، و بالتالي يُمكنني أن أتألّمِ، و أغضبَ و أشعر بالخزي مما أقترِفُهُ، طيّب! فإن انتحرتُ؛ ما الذي يعنيني بَعد سَاعتين مثلاً من شأن الفتاة، و من الخزي، و من كلِ ما هو فوقَ سطح الأرض؟ عندها سأتحوّلُ إلى صِفر، إلى عَدَمٍ مُطلق.‏

    و هل من المعقول أن مسألةَ إدراكي أنني بعد قليل لن أبقى موجوداً (على الإطلاق)، و بالتالي فالعالم كُلّهُ لن يكونَ موجوداً، هل من المعقولِ إذاً أن هذا الإدراك لم يكن يؤثّر و لو قليلاً جداً على شعوري بالشفقة إزاء الطفلة، و شعوري بالعارِ من قِلّة الضمير التي ارتكبتُها؟!‏

    لقد قمتُ بإهانةِ الطفلة البائسة حين قرعتُ الأرضَ بقدمي، و صرختُ بها، و مَا هذهِ الحقارة التي قمتُ بها و الخالية من مشاعِر التعاطف الإنساني "بهدفِ البرهان على أنني لم أعد أشعُرُ بالشفقة فحسب، بل لأثبِتَ أيضاً أنني أستطيعُ أن أرتكبَ أي حقارة لأنني و بعد ساعتين سأغادرُ هذا العالم"، هل تُصدّقون أن صُراخي كان لهذا السبب؟ أنا الآن واثقٌ تقريباً من ذلك، لقد تصوّرتُ بوضوحٍ تام أن الحياة و العالم الآن إنّما يتعلّقانِ بي، و يمكنني حتى أن أقول: لكأنَ العالمَ قد وجدَ لأجلي وحدي، فيكفي أن أطلقَ النارَ عليّ حتى يختفي العالم و لا يعودُ موجوداً، على الأقل بالنسبةِ لي؛ و لا أقول الآن أن لا شيءَ سيبقى في حقيقة الأمر للجميع من بعدي أنا، و ما أن ينطفئُ وَعيي حتى يتلاشى العالَمُ كلّهُ في اللحظةِ نفسها كما يتلاشى شبح، لأن كل هذا ينتمي إلى وعيي أنا وحدي، رُبّما لأن هذا العالم كُلّه و الناسُ كُلّهم ليسوا سوى (أنا) وحدي، أذكُرُ أَنني استعرضّت و قلّبتُ كل هذهِ الأسئلة الجديدة جَالساً إلى طاولتي؛ فأذهب فيها مذاهب شتّى و اختَلِقُ غيرها.‏

    فقد تصوّرتُ ـ على سبيل المثال ـ أمراً غريباً جداً؛ كما لو أنني كنتُ قد عشتُ في الماضي على سطح القمر أو المرّيخ، و ارتكبتُ هناكَ عملاً شديد البشاعةِ و الوضاعة، مما لا يمكن تصوّره، فصرتُ مخزيّاً مكللاً بالعار، بطريقةٍ لا يمكن تخيّل مثلها إلاَّ في الكوابيس، ثُمّ وجدتُ نفسي فجأةً على سطح الأرض مع كلِّ تلك المشاعِرِ و الصور عَمّا ارتكبتُهُ على سطح ذلك الكوكب، لكنني لن أعودَ إلى هناك لأيِ سبب كان؛ فأنا أنظر إلى القمر من الأرض ـ هل سأشعُرُ عندها بعدم الاكتراثِ لكل ما حدث هناك؟ هل سأحسُّ بالعار مما فعلتُهُ هناك؟ أسئلة نافلة لا جدوى منها، فالمسدّسُ يضطجعُ أمامي على الطاولة، و لا بُدّ أنني سأنتحرُ؛ لكن تلك الأسئلة تثيرُ في أعماقي النار و تمنعني من الموتِ قبل أن أحلّها، و بكلمة واحدة: لقد أنقذتني تلك الطفلة فالأسئلةُ تلك أبعدت المسدّس، و كان الوضَعُ في غرفة الكابتن يجنَحُ إلى الهدوء و السكون. لقد توقفوا عن اللعب، و استعدّوا للنوم، و ما عادت تصلني إلا بضعُ دمدماتٍ متقطّعة، أو شتائم متفرّقة، ثُمّ أخذني النوم فجأة على غير عادتي مَعه من قبل، نمتُ دون أن أحسّ بذلك، الأحلام؛ كما هو معروف أشياءُ غريبة(1) بعضُها يعرضُ لك رهيباً حاداً و جلياً بكل تفاصيله، كقطعةٍ نقديّةٍ تخرجُ من بين يدي الصائغ و في بعضها الآخر تسبَحُ عَبرَ الزمانِ و المكان و لا تلتقطُ شيئاً من الجليِ تماماً أن ما يحرّك الأحلام فينا هو الرغبة و ليس العقل، هو القلب و ليس الرأس، و رغم هذا فإن عقلي في أحيان كثيرة يلعب دوراً كبيراً في أحلامي، و يطرحُ أشياء عجيبة صعبة التفسير!. من ذلك أن لي أخاً توفي منذ خمس سنوات، و هو يظهر في أحلامي أحياناً: فيشاركُ في أعمالي، و نشعرُ بمتعة كبيرة، و خلال كل ذلك لا يغيب عن بالي أن أخي هذا ميتٌ و مدفون.‏

    فكيفَ لا أشعرُ بالدهشة أنه رغم موتِهِ يجلسُ إلى جواري و يشاركني أموري؟‏

    لماذا يسمَحُ عقلي لهذا الأمر أن يحدث و يمّر؟ و على كل حال يكفي هذا.‏

    و سأنتقلُ إلى حُلمي الذي رأيتُهُ، نعم الحلم الذي شاهدتُهُ في تلك الليلة، حُلمي ليلة الثالث من تشرين الثاني.‏


    شط العرب



    يتبع ....



  6. #26
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    انا وخلى كل ارض وطنا
    المشاركات
    46,513

    افتراضي

    وصلنا إلى الجزء الثاني من حكاية الرجل الحالم فدعونا نرى ما كان من حلمه ذاك شط العرب



    إنهم يسخرونَ مني ويرونَ أنه مجرّد حُلم، ولكن سواءَ كان ما رأيتُهُ حُلماً أم لا فالأهمُ أنه أظهر لي "الحقيقة"، وما دمتُ قد عاينتُ الحقيقة الأزليّة وعرفتُها وعرفتُ أن لا حقيقة سواها فما أهميّة أن أكون قد فعلتُ ذلك في الحلم أم اليقظة و ليكن حُلماً، إن تلك الحياة التي تعلونَ من شأنها كنتُ سأنهيها بطلقة مُسدّس، لكن حُلمي، حُلمي أنا ـفقد حَمَل إليّ حياةً جديدة، عظيمة، متجدّدة، و قويّة!‏


    شط العرب


    (( 3 ))

    إسمعوا : لقد قلتُ إنني نمتُ و ما أحسستُ كيف حدث ذلك، لكأنني كنت لا أزال أقلّبُ تلك الأمور.‏

    و رأيتُ نفسي أمسك المسدّس و أنا في وضعيتي نفسها و أسددُهُ إلى قلبي مُباشرةً ـ إلى قلبي و ليسَ إلى رأسي، وكنتُ من قبل قد خططتُ أن أسدِدَ إلى صدغي الأيسر، وضعتُ المسدسَ إذاً في صدري وانتظرتُ ثانية أو اثنتين، فإذا بالشمعة و الطاولة و الجدار أمامي تهتزُ و تترنّح، فأسرعتُ أطلقُ النار.‏

    في الحُلمِ تسقطُ أحياناً من مكانٍ شاهقٍ، أو تُطعن أو تُضرب، لكنك لا تحسُّ على الأغلب بالألم، إلا أن تكون قد آذيتَ نفسكَ بالسرير، وتستيقظُ تحت الشعور بالألم، وهذا ما حَدَثَ في حُلمي: فأنا لم أشعر بالألم جَرّاء إطلاق النار ولكن خُيّل لي أنني تلقيتُ صدمة هَزّتني كُلّي ثم شعرتُ بالسكينة، و أحاطتني ظلمةٌ شديدة، لكأنني أصبحتُ أعمى وأخرس، ثُمَّ ها آنذا أضطجِعُ فوق شيء ما صلب ممّدداً و مقلوباً، لا أرى شيئاً ولا أستطيع أن أتحرّك، البشر من حولي يصرخون و يعبرون، و الكابتن يزمجر، و صاحبة البيت تعول ـ ثُمَّ يَعمّ الهدوءُ من جديد، وها هم يحملونني في تابوتٍ مُغلق، وأحسُّ التابوت يتأرجح، فأفكر في الأمر، وتصعقُني لأوّل مرّةٍ فكرة مفادها أنني ميّت ميت تماماً، أعلمُ ذلك ولا أشكُ فيه، لا أتحرّك، لا أرى شيئاً، لكنني أحسُّ وأفكّر. وسرعان ما ألفتُ هذا الوضعَ وفقاً لمنطق الحلم نفسه، وقبلتُ الأمر دون اعتراض.‏

    وها هم يدفنونني في الأرض، ثُمَ يغادرون، أظّلُ وحيداً، وحيداً تماماً، لا أستطيع الحركة.‏

    كنتُ فيما مضى حين أتخيّلُ كيف سأُدفَن في القبر، أجدُني دائماً أربطُ بين القبر ومشاعر الوحدةِ والإحساس بالبرد، ولهذا فأنا أشعرُ الآن بالبرد الشديد، ولا سيّما في نهاياتِ أصابعِ قدميَّ، وسوى ذلك لا أشعرُ بشيء.‏

    كنتُ ممدّداً ومن الغريب أنني لم أكن أنتظرُ شيئاً، وكنتُ على يقين لا اعتراضَ فيه أن على الميّت ألا ينتظر شيئاً. لا أعلم كم مَرّ من الوقت ـ ساعة أم عدّة أيام، أم أيام كثيرة.‏

    ثُمّ إذا بقطرةٍ ماءٍ كبيرة تسقطُ فجأةً من غطاء التابوت في عيني اليُسرى المغمضة، وتتلوها بعد دقيقة قطرة أخرى، وهكذا يستمرُ تساقط القطرات كل دقيقة، فأشعرُ بغيظ شديدٍ في قلبي، ثُمّ أحسُّ بألمٍ فيزيائيٍ فيه: "إنّه جُرحي ـ فكرتُ ـ هذا موضِعُ الرصاصة" ويستمرُ تساقطُ القطرات كل دقيقة واحدة و مباشرةً على عيني المغلقة.‏

    وفجأةً وجدتُني أصرُخُ بكل ما فيّ من مشاعر ـ ولكن دون صوت فقد كنت جامداً لا حراكَ فيّ ـ وجدتُني أصرخُ منادياً ذاك الذي يتحكّم بي.‏

    ـ أياً كنتَ؛ إن كنتَ موجوداً، وإن كان من الممكن وجود ما يحدث الآن، ولو على سبيل الانتقام مني بسبب انتحاري الغبي فلا تسمح بحدوث ذلك لأنكَ لن تلقى مني إلا السخرية، فالتعذيب الذي يقعُ عليّ الآن، مهما كان لا يَعْدِلُ شعوري بالاحتقار الذي سأحسّهُ صامتاً و لو لملايين السنين القادمة!‏

    ناديتُ بكلامي ذاك ثُمّ سكتُ، مَرّت دقيقةٌ من صمتٍ عميق، وسقطت قطرةُ ماءٍ واحدة لكنني كنت أعلم علمَ اليقين أن كل هذا الأمر سيتغيّر فجأةً، وها هو ذا القبرُ ينفتحُ فجأةً، أو لنقل أنني لم أكن أعرف هل انفتَحَ القبرُ أو كان كذلك أو ذابَ الغطاء، لكنني أحسستُ أن كائناً غامضاً ومجهولاً أمسكني وطار بي في الفضاء، ثُمَ أعادَ لي بصري بغتةً، لكن الظلام كان حالكاً كما لم أرهُ من قبل، لم أسأل الكائن الذي حملني وبقيت صامتاً محتفظاً بكبريائي، لا أشعر بالخوف؛ وسعيداً بذلك، لا أستطيع أن أتذكر كم طرنا، وليس بإمكاني تصوّر ذلك: فقد حدث ما حدث كما هو الأمرُ في الأحلام تجتازُ الأماكن و الأزمنة، وتخترقُ كُلّ قوانين العقل والدنيا ولا تلتقطُ شيئاً محَدّداً.‏


    شط العرب

    يتبع .
    ..


  7. #27
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    انا وخلى كل ارض وطنا
    المشاركات
    46,513

    افتراضي


    لا زلنا نقرأ رواية " حلم رجل مضحك " ...


    شط العرب


    أذكُرُ أنني لمحتُ في ذلك الظلام الشديد نجماً، فسألتُ رغماً عني: "أهذا نجم سيروس؟" ذلك أنني ما أحببتُ أن أتوجَهَ إلى من يحملني بأي سؤال، فأجابني قائلاً:‏

    "لا، إنهُ النجمُ نفسه الذي رأيتَهُ بين السحاب حين كنتَ عائداً إلى منزلك، كنتُ أعلم أن لهذا الكائن هيئة إنسان، ومن غريب الأمر أنني ما أحببتُ هذا الكائن، بل شعرتُ تجاهَهُ بكرهٍ شديد. لقد انتظرتُ العدمَ المطلق ولأجل ذلك أطلقتُ رصاصةً في قلبي، فإذا بي بين يدي كائنٍ؛ هو بالتأكيد لا إنساني ولكنهُ "موجود".‏

    فكّرتُ بخفّة الحلمِ العجيبة: "إذاً هناكَ وراء القبر حياةٌ أخرى!"، لكنَ ميزتي الأساسيّة ظَلّت في أعماقي: "إذا كان لا بُدَّ أن (أوجدَ) ثانيةً ـ فكّرتُ ـ بإرادةِ أحدٍ ما فإنني لن أكونَ مَغلوباً ومُذلاًّ".‏

    "أنتَ تعلم أنني أخافك، ولهذا أنتَ تحتقرُني"، قلتُ لرفيقي، دون أن أستطيع كبح هذا السؤال المُذل، الذي ينطوي على اعتراف و ينغرس في قلبي كإبرةٍ سببها الجبن.‏

    لم يجبني عن سؤالي، ولكنني شعرتُ فجأةً أنه لا يحتقرني، ولا يضحَكُ من فعلي، ولا يرثي لي في الوقت نفسه، وأن لدربنا هذا غاية ينتهي إليها، سريّة غير معروفة ولا تعني أحداً سواي، ازدادَ الرعبُ في قلبي، ونفذَ صمتُ صاحبي إلي عميقاً ومؤلماً.‏

    واجتزنا فضاءاتٍ مظلمةٍ ما رأتها عين، وما عدتُ أرى نجوماً مألوفة من قبل.‏

    وكنتُ من قبلُ أعلم أن في أعماق الفضاء توجدُ نجومٌ لا تصلُ إلينا أنوارها إلا بعدَ آلافِ وملايين السنين، لعلّنا قد قطعنا تلك الفضاءات، كنتُ أنتظرُ شيئاً ما في وحدة قلبي العميقةِ والمخيفة، وفجأةً وبينما أنا كذلك إذا بعاطفةٍ معروفةٍ تهزّ كياني وتوقظ ماضيّ بقوةٍ: لقد رأيتُ فجأةً شمسنا! كنت أعلمُ أنها لا يمكن أن تكون (شمسنا)، شمسنا التي ولدت أرضنا، وأعلم أننا نبعدُ عن شمسنا مسافاتٍ لا نهائية، لكنني كنت أحسُّ بكل جوارحي أنها تشبُهُ شمسنا تمام الشبه، وهي نسخة عنها، ونظير لها. إحساسٌ لذيذٌ حلوٌ غَمَر روحي: وقوّة الضياء الخلاقة التي ولدتني، ترجّعت في قلبي وبعثتهُ من جديد، فأحسستُ بالحياة تعودُ إلى عروقي، لأوّل مَرّةٍ بعدَ أن قُبِرت.‏

    ـ ولكن إذا كانت هذهِ هي الشمس، إذا كانت شمساً كشمسِنا تماماً ـ هتفتُ به، فأين هي الأرض إذاً؟‏

    فأشار مُرافقي إلى نجمةٍ تُشّعُ في الظلمةِ بضياءٍ زُمردّي اللون، وكنا في الآن نفسه نتجهُ نحوها.‏



    شط العرب

    ـ هل من الممكن أن يحدثَ مثلُ هذا التكرارِ في الكون؟ وهل هو قانون الطبيعة؟ وإن كانت تلك هي الأرضُ، فهل هي أرضٌ كأرضنا تماماً، مثلها تعيسة، وفقيرة، ومثلها غالية ومحبوبة أبد الدهر، وقادرة على استدرار حُبِ أبنائها وحتى أكثرهم جحوداً؟ ـ قلت ذلك هاتفاً وأنا أرتعشُ جراءَ حُبٍ طاغٍ وشديد تجاه تلك الأرض التي ولدتُ عليها وهجرتُها، وكانت طيف تلك الطفلة البائسة التي أهنتُها يخفقُ أمام عيني.‏

    ـ سترى كل شيء ـ أجابَ مُرافقي وكانت كلماتُهُ تشي بحزنٍ ما.‏

    ولكننا كنا نقتربُ بسرعةٍ من الكوكب، فيكبُرُ حجمُهُ في عينيّ، ثمّ مَيّزتُ المحيط وحدود أوروّبا، فاشتعلت غيرةٌ غريبةٌ ومقدّسةٌ في قلبي: "كيف يمكن أن يحدث مثل هذا التكرار؟ ولأية غاية؟ أنا أحبُ... أنا أستطيع أن أحب تلك الأرض التي تركتُها ورائي، تلك الأرض التي تناثَرَ دَمي فوقها، عندما أطلقتُ الرصاص في قلبي جاحِداً كل شيء، ومنهياً حياتي، ولكنني لمْ أتوقّفْ عن حبّها أبداً، وحتى في تلك الليلة التي فارقتها فيها فقد شعرتُ بحبّها أشدُ تعذيباً لي من أي وقتٍ مضى، هل ثمّة عذاب على هذه الأرض الجديدة؟ على أرضنا لا نستطيع أن نحب إلا مع الألم والعذاب، وفقط من خلالهما، وإلا فإننا لا نستطيع أن نحب، بل لا نعرفُ حُبّاً آخر، لهذا أنا أطلبُ العذابَ كي أتمكّن أن أحب، كم أتعطّشُ في هذهِ اللحظة أن أقبلَ الأرضَ وأغسلها بدموعي، تلكَ الأرض التي هجرتها والتي لا أريدُ، بل لا أستطيع العيش إلاَّ عليها فقط!".‏


    شط العرب

    لكن مُرافقي كان قد تركني وحيداً. وأصبحت فجأةً ـ وكما لو أنني لم أنتبه لذلك ـ أقفُ على تلك الأرض الأخرى غارقاً في نور شمسٍ ساطع، في يومٍ نعيميٍ رائع. لقد وقفت على ما أظنُ على أرضِ جزيرةٍ من تلكَ الجزر التي تشكّل أرخبيل(2) اليونان، أو على شاطئ أرضٍ تشرِفُ على ذاك الأرخبيل. كل شيء كان يشبُهُ ما ألفناهُ على أرضنا تماماً.‏

    وتراءى لي أن حبوراً وعيداً يشعُّ في كل مكان حتى يبلغُ الأمرُ مرحلةَ النشوة والروعة.‏

    والبحرُ الزمرديُ اللطيف يُداعبُ الشاطئ بحبٍ واضحٍ عن وعيٍ تقريباً.‏



    شط العرب


    يتبع ....


  8. #28
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    ♪♫♥ في كل لمــــــــــــة حزن تكدر تلاقيـــــــــــني♥♪♫
    المشاركات
    9,274

    Mmyz

    رواية آنــا كرنينا

    لـــ ليو تولستوي



    شط العرب



    رواية انا كارنينا عمل ادبي وانساني رائع تحكي هذه الرواية قصة "آنا كاريننا" المرأة الرائعة الجمال الساحرة، ذات العينان

    الرماديتان البراقتان، والأهداب المسبلة الكثة، والشفتان النضرتان، والشعر الأسود الفاحم، امرأة تفيض أنوثة ورقة،

    أوقعت فرونسكي في حبائل هواها فتخلى عن صحبة كاترين شقيقة داريا (كيتي). كانت محط إعجاب الجميع رجالاً ونساءً

    هي زوجة أليكسي كارنين الموظف السامي في الدولة (وزير)، وهو يكبرها بعشرين عاماً. أكسبها زواجها رفعة في

    المجتمع فصارت من كبريات سيدات المجتمع في بطرسبرج. لكنها لم تكن سعيدة في زواجها، فزوجها كهل ومشغول

    عنها دائماً بأعماله والإدارية وأهدافه الوظيفية. أنجبت منه صبياً هو سيرج عمره ثماني سنوات أحبته وتعلقت به كثيراً.

    وآنا امرأة معشوقة تعلّق بها فرونسكي وشغل بها عن غيرها من النساء "كيتي"، وهو على استعداد للتضحية بكل شيء

    في سبيلها "وظيفته-علاقته بأمه..". وهو إلى ذلك عاشقة كانت تعاني خواءً روحياَ في حبها ملأه الضابط الفارس، فأصبحت

    زوجة لرجلين (أليكسي كارنين- وأليكسي فرونسكي) وأما لولد شرعي سيرج وطفلة زنا أنوشكا. لذلك وقعت في حيرة من أمرها

    فهي تريد الطلاق من أليكسي كارنين، ولكنها تريد الاحتفاظ بابنها سيرج في الوقت نفسه، وهذا أمر صعب المنال. إنها أمام

    سراب الحياة ولن يروي ظمأها قربها من أليكسي كارنين ولا تعلّقها بفرونسكي. وهي في صراع مع نفسها ومع المجتمع.

    فمجتمعها يرفض علاقتها بعشيقها ويعتبر ابنتها أنوشكا طفلة زنا ويعتبرها زانية. لذلك نبذها الآخرون وعاشت عزلة قاتلة.

    وحين تخلو إلى ذاتها تعيش صراعاً داخلياً بين آنا الصالحة التي تكبر في زوجها صفات السماح والأنبل فتطلب منه الصفح

    عنها عندما كانت في حمى النفاس، وتذكر نفسها فهي الزوجة الشرعية أم سيرج لا أنا التي عشقت فرونسكي! إنها تحتضر

    ولا تحتاج إلى شيء سوى الغفران. وعندما تشفي من مرضها تعود آنا الأخرى

    عشيقة فرونسكي التي لا تقوى على فراقه ولا على الاقتراب من زوجها أليكسي كارنين.

    وآنا أنثى حين تحب تريد أن تمتلك رجلها فتغار عليه، والغيرة الشديدة مرض قاتل. لقد أدركت

    هذه الدرجة من الغيرة فظنت أن فرونسكي تحول عنها إلى سواها ولم تعد أثيرة لديه، لذلك

    صارت يائسة ولا سبيل لها إلى الخلاص من ذلك إلا بالموت.

    وانتحرت السيدة الساحرة انا كارنينا في محطة القطار بعد انا وضعت نفسها تحت عجلات القطار....




    شط العرب


  9. #29
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    انا وخلى كل ارض وطنا
    المشاركات
    46,513

    افتراضي


    شط العرب


    تاج محل: قصة حب أسطورية تتحدى الزمان



    ثلاثة قرون ونصف مرت على بنائه ، " تاج محل " .. انه قصة حب أسطورية خالدة عبر الزمن يزوره ما لا يقل عن ثلاثة ملايين شخص سنوياً. إنها حياة امرأة ضربت أروع الأمثلة على الوفاء والإخلاص فتفتحت لها أبواب التاريخ الواسعة وأصبحت سيرتها تتردد على الألسنة ، وصار ضريحها إحدى عجائب الدنيا السبع ، هي المرأة الهندية المسلمة التي رفعت من شأن نساء العالم في ذلك الوقت ونجحت في إثبات أن العقل والعاطفة والعمل خطوطاً متساوية لا تناقض فيها على الإطلاق.
    ومن روعة وتفرد هذا المكان تغنى به العديد من الشعراء مثل طاغور فيما وصف الشاعر الإنجليزي السير ادوين ارنولد تاج محل بقوله الشهير: هي ليست قطعة معمارية كغيرها من الأبنية ولكنها رغبات إمبراطور تعكس حب إمبراطور كتبت بأحجار حية.
    ويحمل هذا الصرح الرائع بين جدرانه قصة حب نادرة ومكائد ومؤامرات حاقدة من أقرب المقربين طمعاً في السلطة والجاه , ورغم مرور أكثر من 350 عاماً على بناءه إلا أنه لا يزال شعاع البدر الهادئ والمتهادي الذي بُني بمشاعر الحب البيضاء ونوافير العاطفة الجياشة والأحجار الطيعة اللينة التي تحمل في طياتها ما تحمل من جماليات ومنمنمات في غاية الروعة, كما أن القلاع المحيطة به ما هي إلا فرقة موسيقية تشير إلى نجم الحفل (تاج محل).
    تاج محل.. شهادة ميلاد للحب الخالد , من الرخام الأبيض الطاهر حيث يمتزج الفن المعماري مع التضحيات الإنسانية والمشاعر الفياضة ,, حقاً إنها احتفالية بعظمة نسائية سطرت بالأحجار صرحاً ينم عن عمق تقدير للمرأة والنساء عموماً فيما يراها البعض حلماً بهياً قلما يزور النائم .ويعتبر تاج محل من أعجب عجائب الدنيا بل ويعتبرها بعض الباحثين الغربيين تحفة معمارية لم يولد مثيل لها حتى الآن، ولا عجب في ذلك فتاج محل, أجمل صرح بناه المغول خلال فترة حكمهم للهند.
    - أصل التسمية:
    وتعني كلمة تاج محل (قصر التاج) بينما لا تعرف حتى الآن أصل تسمية القصر بتاج محل , وذلك لأن المؤرخين في عهد الشاه كانوا يطلقون عليه (روزا) ممتاز محل ، أي ضريح ممتاز محل ، وبعدها شاع اسم تاج محل ويترجم على أنه قصر التاج أو تاج القصر.وتعود جذور قصة بناءه إلى زواج شاه جيهان ـ الذي كان يعرف وقتها باسم الأمير حزام وصار فيما بعد الإمبراطور المغولي الخامس , واسمه شهاب الدين ـ من تاج محل واسمه الحقيقي هو ارجمند نانو بيجام.
    ووالدها كان شقيقاً لنور جيهان زوجة السلطان, وكان في تقليد المغول النساء المهمات في العائلة المالكة يمنحن أسماء أخرى عند الزواج وفي بعض الأحداث الهامة في حياتهن وبعد ذلك يشيع الاسم الجديد ويصير مستخدماً من قبل الناس عامة.
    وعلى الرغم من أن هذا الزواج كان الثاني للشاه إلا إنه كان نابعاً من قصة حب حقيقية وتجربة عاطفية سامية ، وكانت ممتاز رفيقة دائمة لزوجها لا تتركه في كل رحلاته وسفرياته وجولاته وزياراته ومهماته العسكرية بل ومستشارته وصديقته وكانت الدافع القوي لقيامه بالكثير من أعمال الخير والبر وخاصة مع الضعفاء والفقراء والمحتاجين .وقد أنجبت ممتاز من شاه أربعة عشر ولداً وماتت على فراش الولادة في العام 1630 بعد ثلاث سنوات من خلعه من العرش عندما كانت ترافقه في حملة عسكرية وعندما عاد إلى السلطة اعتزم شاه أن يخلد ذكرى زوجته ، فأبدع تاج محل ، وكان للظروف الحزينة التي أعقبت موت الإمبراطورة أعمق الوقع وأبلغ الأثر في إلهام الإمبراطور لتشييد هذا القصر الكبير الذي أقامه في اجرا عاصمة حكم المغول.
    ولم يكن غريباً بناءه في مثل هذه المدينة الجميلة ، حيث تنتشر فيها القلاع الجميلة ذات الأحجار الحمراء التي قام ببنائها الأباطرة المغول. وقد كان بناء هذه التحفة المعمارية مشروطاً بتنفيد أربعة أشياء طلبتها ممتاز من زوجها بعد موتها وتعكس جميعها مدى الحب وعمق الشعور التي كانت تكنه له، وهي:
    ـ أن يبني تاج محل.
    ـ أن يتزوج بعدها.
    ـ أن يحسن معاملة أبنائه.
    ـ أن يقوم بزيارة الضريح في الذكرى السنوية لوفاتها.
    ولكن وللأسف لم يستطع الوفاء إلا بالوعدين الأول والثاني ،، وعندما اعتقل لمدة ثماني سنوات توفى في آخرها في القلعة الحمراء الكبيرة التي تقع أمام تاج محل كان ينظر يومياً إلى هذا الصرح الخالد لا يبكى على زوال عرشه وخلعه من الحكم بقدر بكاءه على وفاة زوجته الغالية التي لم تستطع امرأة سواها أن تمنحه الحب الذي منحته إياه ولم يستطع أي شيء في العالم أن يعوضه الحنان الذي إفتقده بعد وفاتها وهي تضع له ابنه الرابع عشر.
    إنه تاج محل القبر أو الضريح الذي شيده شاه تقديراً ووفاءً لزوجته ورفيقة حياته، إلا أن الدوافع والتفصيلات الحقيقية والدقيقة حول الأيام وكيف دارت بين الزوجين وخاصة لحظات البؤس الذي عاشته الملكة بسبب الوشايات والدسائس التي تمت داخل القصر والتي كان هدفها التوقيع والوشاية بينهما إلا أن حبهما لم يتأثر بكل هذه المؤامرات ، فقد عاش الزوجان شاه جيهان وممتاز طوال 19 عاماً من المودة والمحبة حتى كان يضرب بهما المثل إلا أنه وفي عام 1630 قام الزوج بحشد قواته بكل ما لدية من إمكانيات عسكرية وبشرية وبدأ حملة عسكرية ضد ابنه والوريث لمملكته وحكمه في منطقة ديكان , وقد شاء القدر أن يمنحه النصر على التمرد والسيطرة عليه.
    ومن المعروف أنه كلما ازدادت الانتصارات تزداد المكائد فقد استطاعت نور جيهان زوجة والد الأميرة ، أن تدبر مكيدة مخططة بشكل جيد لمحاولة التفريق بينهما حيث أرسلت مبعوث بمهمة خبيثة تمثلت في تدبير لقاء بين الأميرة وبين أحد الطامعين في العرش لكي يشي بها أحد أعوانه ويقتنع بخيانتها له،وبالفعل تمت المكيدة ونجحت فى التوقيع بينهما فقرر الزوج الخلاص من زوجته إلا أنه عدل عن ذلك وآثر حبسها عقاباً لها, وطلبت منه أن يفعل بها ما يشاء بشرط أن يستمع إليها وروت له دسائس نور جيهان , لكنه استمر في حبسه لها.
    وجاء الأجل, ففي أحد الأيام كان شاه جيهان في جنوب الهند لوقف تمرد بعض الخارجين عن حكم الإمبراطورية, وصله نبأ يؤكد أن زوجته تعاني من ألام وضع غير طبيعية وبعد أن وصل إليها وشعر بقسوة ما كان منه مقابل الحب والعطف من هذه الزوجة الحانية بادلها بعبارات الوفاء والإخلاص ودعته بعبارات الحب والتضحية, ومنذ تلك اللحظة أخذ السلطان على نفسه عهداً بتخليد ذكراها في أحسن صورة وقد كان ذلك بالفعل فبنى لها قصر تاج محل الذي يعتبر بحق أبهى وأجمل قصر يعيش قصة حب ووفاء خلدها التاريخ . وتقول الروايات التي انطلقت على حياته إنه كان يعتزم بناء قصر مواجه لتاج محل ليكون ضريحاً له شخصياً عند ومقابلاً لضريح زوجته ولكن مع وجود فارق بينهما وهو أن الأول ضريح تاج محل من الرخام الأبيض أما ضريحه هو فسيكون باللون الأسود بحيث يربط بينهما جسر كبير.
    ولكن ... تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ولم يتحقق هذا الحلم حيث قام أحد أبنائه بالحجر عليه واعتقاله بعدما قاد انقلاباً ضده وسيطر على العرش الملكي وبالتالي قام بسجن والده في قصره المقابل لضريح تاج محل حتى توفي إلا أنه وبدوافع إنسانية اقترح بعض أعوان الإمبراطور الجديد دفنه بجوار زوجته ، ليروى هذا الصرح أروع قصص الحب والوفاء والغفران ويصبح بحق أحد عجائب الدنيا السبع.

    محيط ـ منال سيد فؤاد


    منقوووووووووووووووووووووووووووووووو وووووول






  10. #30
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    ديالى الخير - بعقوبة الوفاء
    المشاركات
    47,482

    افتراضي

    بڪڵ مٍآڿطھٍ حرڣڪ
    ۅبڪڵ مٍآچمٍعھٍ ڣڪرڪ
    ٺبقى مٍمٍۑڒٍ
    ٹٍق بأڹۑ أڛٺمٍٺعٺ ڪٹٍۑرآ مٍڹ بۑڹ آڵڛطۅر


+ الرد على الموضوع
صفحة 3 من 4 الأولىالأولى 1 2 3 4 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك