+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: >>>> نازك الملائكه <<<<

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    2,660

    افتراضي >>>> نازك الملائكه <<<<

    رحلت عاشقةُ الليل فتهاوت باكيةً عن سماء الشعر نجومُها. ففي يوم الأربعاء 20حزيران 2007م أغمضت نازك الملائكة عينيها في أحضان مدينة القاهرة لترحل محمّلةً بالهمّ والتغراب، بعيدةً عن نسائم دجلة التي أحبّتها، وصوت مآذن بغداد التي طالما تعشّقت لسماعها.
    بيت الملائكة:
    يتداخل بيت الملائكة مع بيتين آخرين هما آل الجلبي وآل كبة البغداديون. ويرقى هذا البيت بالنسب الى القحطانيين. وقد هاجر أسلافُهم من الحيرة إلى الكاظمية اوائ القرن الثامن الهجري /الرابع عشر الميلادي، وكانوا قد جاؤها بعد هجرتهم من اليمن.
    وأول من استقر بالكاظمية منهم هو الحاج كاظم المنذري اللخمي القحطاني المتوفي سنة 957هـ/1550م. وكانت المحلّة المعروفة اليوم القطّانة، قد سميت في تلك الايام بالقحطانية نسبةً اليه.
    وفي نهاية القرن الثامن عشر الميلادي اكتسبت العائلة لقب «الجلبي» وهو من الألقاب التي كانت لا تُطلق إلاّ علّية القوم من اصحاب النفوذ والجاه الاجتماعي.
    وقد نُقل أن لقب الملائكة قد لحق بعض افرادهم في القرن التاسع عشر الملادي من قبل شاعر عصره عبد الباقي العمري، صاحب ديوان «الترياق الفاروقي» المطبوع. لكن ذلك كان في مدار المنقولات. وأول من حمل اسم الملائكة هو صادق الملائكة (والد نازك) وإبنا عمّه عبد الرزاق وعيسى وتبعه أخوته وأبناؤه.
    ويُنقل أن الهدوء الذي كان يمتاز به بيتهم الكبير الواقع بمحلة العقولية ببغداد، وعدم سماع ضجيج الأطفال منه خلافاً للبيوت البغدادية التي تضجّ بزعيق الاطفال وصراخهم، كان سبباً في إطلاق لقب (الملائكة) عليهم. ونقلَ لي العلامة اللغوي الاستاذ صبحي البصّام أنه في زمن صباه عندما سمع باطلاق لقب الملائكة على هذا البيت سأل عن وجه هذه التسمية وسببها، فقيل له أن أبواب بيوت آل الملائكة لا تُترك إلا مغلقة، مما حدا باطلاق هذا اللقب عليهم.
    إن بيت الملائكة بيت لا تُشبهُه إلا بيوتُ الملائكة. فقد نشأ أفراده جميعا في أحضان الأدب ومدارج العلم، ولم يظهر منهم إلا نابغةٌ ذكي أو شاعر أصيل أو استاذ جامعي متمرّس. إنه بيت يتنفس أفراده الشعر ويحلق بجناحي الأدب والفضيلة.
    ومن غرائب هذا البيت ان ابناءه لا يُعدّون إلا نسخة واحدة بعضهم عن الآخر وإن تعدَّدت بينهم الأسماء.
    فقد خضع هؤلاء الأبناء الى نظام تربوي خاص تتعّهده طبقةٌ لطبقة ويرعاه المتقدمون لمن تأخر عنهم. وكانت هذه المواهب المزروعة في نفوس الناشئة يتولى رعايتها نفرٌ من مثقفي الأسرة، فيعقدون كل يوم خميس جلسة في دار واحدٍ منهم،تتضمن الحديث عن الادب والفن وما يتصل بهما من امور. وتهدف هذه الجلسات الى تنمية قدرات الناشئة الجُدد وإدخالهم عالم المعرفة من أوسع أبوابه الى جانب تنمية مواهب من الخطابة والتمثيل والشعر وتعلّم الموسيقى والعزف على بعض الآلات.

    جدّتها: هداية كبّة
    ويعود فضل نبوغ هذه الأسرة وازدهارها الثقافي الادبي الى جدّتهم الحاجة هداية كبّة (ت: 1398هـ/1978م)، أبنة العلامة الشيخ محمد حسن كبّة (ت: 1336هـ/1918م)، وأخت السياسي العراقي الكبير الشيخ محمد مهدي كبّة مؤسس حزب الاستقلال، المتوفي سنة 1404هـ/1984م.
    ووالدها الشيخ محمد حسن عالم مجتهد وشاعر من كبار شعراء عصره وهو أحد أبناء الحاج محمد صالح كبّة (1201-1287هـ/1787ـ 1870م)، عميد أسرة آل كبّة البغدادية الذي كان من كبار التجّار المثرين. فقد كانت للحاج محمد صالح حظوة لدى جميع علماء بغداد والنجف ومراجعهم. وكانت دارهم المطلة على نهر دجلة محطّاً للرحال، يرتادها العلماء والشعراء. ونظراً لثقافته وسخائه الذاتي فقد نال شهرة لم تقتصر على زمانه ذاك، بل تعدّت الى زماننا واقتحمته، حتى غدت الألسنة تلهج باسمه، وتمجّد أيامه وأفعاله، وتكرّره كلّما برق اسمهُ في مجالس الادب وتاريخ الرجال.
    ولمكانته هذه فقد كان المجتهدون وزعماء الدين عندما يزورون بغداد من مناطق النجف والحلة والكوفة وغيرها لا يتخذون سكناهم إلا عنده. فعندما زار الأمام الشيخ مرتضى الأنصاري زعيم الإمامية في عصره (ت: 1282هـ/1865م) بغداد سأله الحاج محمد صالح أن يشرّف داره، فقال له الأنصاري إني عازم على زيارة «النوّاب»، فأجعلك منهم. ولمّا زار الأنصاري النوّاب الأربعة جعله خامساً.

    ومن مآثره الاجتماعية التي ما زالت شاخصة حتى يومنا هذا تشييدُه «الخانات» التي تساعد المسافرين المعتمدين على وسائل النقل البدائية يومذاك بمواصلة رحلاتهم ـ وهذه الخانات أشبه ما تكون ببيوت الاستراحة، حيث توفر للمسافرين بعض مستلزمات الأسفار من الطعام والشراب والمنام وغيرها من الخدمات. وأشهرها هي خان النصّ، وخان الحّماد وخان المحاويل، وخان بلد، وخان المسيب، وغيرها.

    ولم يتقدّم من أبناء الحاج محمد صالح في مدارج العلم إلاّ ولده العلامة المجتهد الشيخ محمد حسن، الذي جمع بين العلم والعمل والزهادة ومكارم الاخلاق. فكانت داره في بغداد والنجف قبلةً يقصدها العلماء والأدباء. وقد حضيت بمجالس وندوات شعراء العصر قاطبة حتى تحوّلت الى منتدى أدبي لا تغرب الشمس عنه إلا بجديد يضاف إلى حلبات الشعر والأدب.
    وقد ألف شاع عصره السيد حيدر الحلي (1304هـ/1887م) كتاب «العقد المفصّل في قبيلة المجد المؤثل» تكريماً لهذه العائلة، ونُشر الكتاب ببغداد عام 1913م، ضمن مجلّد كبير. كما ألف العلامة الشاعر الكبير الشيخ إبراهيم آل يحيى العاملي، جد أسرة آل صادق العاملي المتوفى سنة 1288هـ/1871م مجموعاً نفيساً جمع فيه ما قيل في تكريم الحاج محمد صالح كبّة من الشعر.
    وهو لا يزال مخطوطاً احتفظ بنسخته الأصلية. والعجيب أن هذه النسخة فقدتها في الاعتداء على مكان سكني ببيروت بعد تعرّضه لصواريخ الطائرات في حرب تموز عام 2006م على لبنان، والأغرب من ذلك أني عثرت على صفحات هذه المخطوطة من بين الأنقاض، فعادت لي مرّة اخرى كاملة غير منقوصة، وهذه من كرامات الأفعال الصالحة التي تُضاف لهم
    ونتيجة لهذا البذخ وتوفير الرواتب الشهرية لطلبة العلوم والشعراء وغيرهم من طبقات المجتمع الفقيرة فقد آلت ثروتهم الى النفاد وأصبح أبناؤها معتزّين بتلك الأيام التي شيدت مجدهم، ووهبت لهم كل هذه المفاخر.
    في هذا الجوّ، وفي بيت والدها الشيخ محمد حسن نشأت الحاجة هداية وتشبّعت بالفضائل والعلم والمثل العليا والدين.
    وقد تزوّجت عبد الرزاق بن حداد الملائكة (الجلبي)، وكان عبد الرزاق بحكم اعماله التجارية يخرج مسافراً في بعض الفرص وفي بعضها أصيب بحمى شديدة تُوفي على أثرها وهو في سن السادسة والعشرين سنة 1904. تاركاً أولاده الثلاثة : الاستاذ الشاعر عبد الصاحب (ت 1987)، سليمة والده نازك 1953، ونظيمة، زوجة القاضي عبد الحميد كبة، ووالدة الدكتور قيس كبة.
    فاقترنت هداية بعده بأخيه عيسى الجلبي، وأنجبت منه أنور الملائكة وجميل ومنير وأحمد وأياد، وبنتاً واحدة، رياض، زوجة الاستاذ فخري السوس، المتوفى حدود عام 1985م.
    ولا يسع الحديث عن كل واحد من هؤلاء فكلهم قلاع ادب وفضيلة. تولى المهندس جميل الملائكة وزارة الصناعة سنة 1965، وحظي بعضوية المجملع العلمي العراقي ببغداد، ومجمع اللغة العربية بدمشق وكان رئيساً للمهندسين العراقيين. أما عبد الصاحب (1912 ـ 1987) فهو المحامي والشاعر وصاحب مجلة المثقف الصادرة عام 1954.
    وإذا قيل وراء كلّ عظيم امرأة، فإن وراء هذه العائلة امرأة واحدة لا تُشبه النساء، تلك هي الحاجة هداية كبّة.
    وهداية شاعرة أديبة ومربية فاضلة درست ببغداد وسامراء وتعاطت الشعر وفنونه وهي من مواليد سن 1891، وتوفيت سنة 1978. وكنتُ احظى بشعرهاعن طريق حفيدها الدكتور سهيل أنور الملائكة الذي كان يأتيني بجديد منظومها، فأشطر بعضه وأرجعه اليها. ومن شعرها هذا البيتان اللذان قالتهما عندما زارت بيت طفولتها بسامراء، وقد خطتهما على بعض جدرانه:
    أحييك يا دار الطفولة والــــهنا وأذكر أيـــــــاماً بها كلّها عبرْ
    وأسألُ عن أهلي الذين عهدتُهم أهل رحلوا أم أسلموا ليد القدر؟
    وكانت تنشر شعرها باسم أم صاحب الملائكة، كما كانت ابنتُها سليمة (والدة نازك) تنشر شعرها باسم أم نزار الملائكة نسبةً الى ولدها نزار.
    في هذه العائلة ولدت نازك سنة 1923م وعاشت مع أخوالها المتقاربين معها في العمر في بيت واحد. وفي بداية نشأتها كان الشعر واللغة ومطالعة الصحف والمجلات والكتب والمؤلفات من أولويات أعمالها وربما عمدت مع أخوالها لمحاكاة بعض المجلات حيث أصدروا مجلّة وهم بتلك السنّ سموها «الشعر» كانوا يكتبونها بأقلامهم، وفيها شيء من منظومهم ومنثورهم.
    والدها صادق الملائكة:
    وكان والدها صادق بن جعفر بن جواد الملائكه (1895 - 1971م) العالم اللغوي والموسوعي المتتبع، قد اخذ بزمام هذا البيت، وقاده لتوجيهه وسطوته العلمية. وكان يتقن من اللغات الفارسية والتركية ويعرف بعضاً من الفرنسية، وله «دائرة معارف الناس» في ثلاثين مجلداً، قضى كل حياته لكتابتها، وقد جمع فيها تراجم أعلام التاريخ العربي ورتبها حسب الحروف الهجائية. وبعد وفاته عام 1971 صوّرها المجمع العلمي العراقي على شريط محتفظاً بنسخة منها. وقد درّس بدار المعلمين وفي بعض مدارس الدولة الثانوية. وله شعر رائق، منه بيتان قالهما عندما رأى صديقه مصطفى يبكي وهو يسير مودّعاً نعش أخته الى مثواه الاخير:
    بكى مصطفى لّما أصيب بأخته وحُقَّ لمن لا يعرفُ الصبر أنْ يبكي
    ولو علم المسكين أفعــال دهره وما فيه من سخف لماتَ من الضحك
    والغريب أن هذا الشاعر المتفلسف انقطع بنفسه بعد وفاة زوجته سليمة الملائكة عام 1953، الى ملازمة داره غاصاً بذكرياته ولم يخرج منها إلا عام 1971، محمولاً الى داره الأخرى.
    نازك الملائكة: عاشقة الليل
    نشرت نازك عام 1981م، ديوان إمها «إنشورة المجد» وقدّمت له مقدّمة مشجية، شرحت معاناتِها مع المرض ووفاتَها غريبةً في لندن. وكانت نازك بعد تخرّجها من دار المعلمين سنة 1944 وإكمال دراستها في الولايات المتحدة قد مارست التدريس في جامعة البصرة والكويت، واستقرت عام 1990 بالقاهرة حتى وفاتها. وقد أثارت حركتها الشعرية منذ صدور مجاميعها الشعرية الأولى: عاشقة الليل عام 1947، وشظايا ورماد 1949، وقرارة الموجة 1957، وما تلا هذه المرحلة من نشاطات في الشعر والنقد، أثارت الدهشة بين قرائها وخصوصاً بلغة التجديد السهلة الممتنعة التي أنزلت فيها الشعر العربي الى عتبة القراء في كل مكان. فكتب عنها الكبار، وعبّر ذلك كل من وقف على شعرها بالمنثور والمنظوم. ففي دار والدها صادق الملائكة اجتمع نفرٌ من الشعراء، وكان ديوانها «عاشقة الليل» مثاراً لجدلهم وإعجابهم، فخاطبها الشاعر محمود الحبوبي مرتجلاً:
    اعاشقة الليل هاتي الضحى بياناً بديعاً وشعراً رفيـــــعاً
    روائع ابياتك الساحرات تفيض بياناً وتجري دموعا
    وقد وقفتُ على نسخة من ديوان «عاشقة الليل» كانت من ممتلكات الشاعر القاضي السيد عباس شبّر وقد كتب عليها هذين البيتين بعد فراغه من قراءتها، يقول فيهما:
    قلتُ للنجم ساهرٌ أنتَ مثلي قال إني مصغٍ لوقع الملائك
    كم على الأفق من دياجيرهّم دحرتها عني نيازكُ (نازك)
    وكانت نازك قبل هذه المرحلة تتفنّن في نظم الشعر وأدائه، كلُّ ذلك كان بتوجيه أمّها سليمة، التي لم تترك اوقات الصيف القائضة تمرّ إلا وتعقد الندوات العفوية للمطارحة والارتجال. فكثيراً ما تجمع أخاها جميل وبنتها نازك للاشتراك معها في قصيدة مطوّلة تختار وزناً لها وقافية في مقاطع عدّة. ومن ذلك قولهم في احدى الحلبات، (يُلاحظ ان الاول لسليمة، والثاني لابنتها، والثالث لاخيها جميل والرابع لها. ويُلاحظ ايضاً أن نفسَ الشعر يكاد يكون واحداً لا يُمييّز بين قائليه) والأبيات هي :
    س) هات يا قلب لحنكَ الشـــــــاعريا وترنّمْ فقد قسوتَ علـيا
    ن) أيُّ صمت قد ذر في عمق أعماقك لونَ الردى فلم يُبقِِ شيّا
    ج) هاتِ واصدح يا خـــــافقي وترنّمْ نغماً شادياً ولحناً شجيّا
    س) هاتها بهجةً تتوقـــــــاها الروح فتغدو الحياةُ عطراً وريّا
    نشرت سليمة شعرها أول مرة عام 1936م في رثاء الشاعر جميل صدقي الزهاوي، وهي ابنة الثامنة والعشرين، في حين أن ابنتها نازك نشرت اول قصيدة لها بمجلة «الصبح» وهي ابنة الثالثة عشرة.
    اخوها: نزار الملائكة
    أما نزار ابن الشاعرة سليمة الملائكة، حاملة اسمه، فيصغر أخته نازك بست سنوات فهو من مواليد عام 1929م. نقل لي أنّ اخته نازك عندما كانت في مرحلة دراستها الاعدادية عُرضت عليها بمادة الرياضيات مسألة أعياها حلُّها، فكتبت على ورقة الامتحان بدل اجابتها هذين البيتين قائلة:
    هذه مسألةٌ لا تحــــــــــلُّ نالني منها العذابُ الأجلُّ
    كلّما رمتُ التخلّص منها كلّني إعصاؤها المشمئلُّ
    والدكتو نزار علامة لغوي موسوعي اتجه لدراسة اللغات وتعمق فيها. وقد أتقنَ مايقارب من اثنتي عشرة لغة، وعيّن وهو بمرحلة الدراسة استاذاً في قسم اللغات، ثم تطورت دراسته وبلغت معرفته باللغات الى الخمسين لغة. وكان يحتفظ بمكتبة غاصة بالموسوعات بشتى اللغات، وكان يُكثر من القراءة باللغة اليونانية القديمة دون الحديثة منها ويستغرق فيها. وهو شاعرٌ متين له بضع مؤلفات مطبوعة بالالمانية. وكان متخصصاً مضافاً الى جانب علم اللغات بعلم الفلك، ودراسة نهج البلاغة.
    وقد قادته عبقريته الى اكتشاف حسابات فلكية وجملة من النظريات وله كتابات خطية في ذلك. وكثيراً ما كان يحمل معه بعض الدوائر التي يصنعها بنفسه تتضمن أسماء الكواكب وتأثيرها على الانسان، حسب المكان الذي يولد فيه، أو العام الذي يحولُ على ولادته.
    كما تخصص بدراسة نهج البلاغة مستظهراً خطب الامام علي عليه السلام ومفلسفاً لها. وبحكم اطلاعه على آداب اللغة اليونانية القديمة لغة افلاطون وارسطو، وإتقانه لفلسفتها وحكمياتها فقد كان يُرجع جملة من خطب النهج الى معاني الفلاسفة اليونانيين، حتى يكاد المعنيان ينطبقان بعضهما على الآخر. وكان يؤكد أن علياً عليه السلام م خلال نهج بلاغته، كان متقناً لهذه اللغة ومتشبّعاً بها. وكان يتعامل مع نصوص «النهج» على انّها أوامر موجّهة إليه، محاولاً الالتزام بها. وقد التزم بالنباتية في طعامه وشرابه مستنداً الى قول الامام علي عليه السلام «لا تجعلوا بطونكم مقبرة للأحياء» الذي راح يفلسفه على طريقته في فهم الأشياء. وكا يحدّثني بالكرامات التي رآها من علي، والتي لا يكد يصدقها الا المتيقنون من أصحاب الفَهم مِثله.
    وقادته محبّته للامام علي عندما يتحدث، يقول: قال حبيبي علي بعدما يملأ فمه بهذه الكلمة. وقد جمع كلّ ما يتعلق بنهج البلاغة من طبعات وشروح ودراسات حتى لو تكرّرت طبعاتُها.
    قلتُ له ذاتَ يوم أن العلامة المحقق السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب صاحب كتاب «مصادر نهج البلاغة وأسانيده» قال لي يوماً: إني أخشى يوم القيامة من شيء واحد هو أنْ اذهب للحساب، وأجدُ شخصاً يُحبُّ علياً أكثر مني؟
    فقال لي نزار: أما أنا فاذا وجدتُ هذا الشخص فسأقبّل قدميه!
    وكان يقول لي انّ علياً لا يستطيع أن يُحبَّه كلُّ أحد، فعليٌّ هو الذي ينتخبُ محبيه.
    وعندما كنتُ احثُّه على نشر مؤلفاته وكتبه كان يردد قول الامام علي «يموتُ العلمُ بموت صاحبه» وربما اثار الى صدره مردداً قول الامام: «إنَّ ها هنا لعلماً جمّا، لو وجدتُ له حمله».
    وكان نزار مصداقاً لهذه المقولة. فقد قضى حيانه متشعباً في ميادين العلم دون ان يشعر به أحد، أو يفهمه أحد. كان يخرج من شقته الممتلئة بالكتب والموسوعات الى حديقة امامه ليجلس مستمتعاً بطيورها بين اغصان الورد المتدلية بألوانها عليه. وربما كانت أحاديثُه مع الطيور بعضاً مما يخرجه من حديثه الطويل مع نفسه الذي لا ينقطع عنه في يقظته ومنامه.
    وإذا كانت أخته نازك قد طفحت ذكراها في كل مكان، وعلت بالمجالس والمنتديات، فقد رحل أخوها نزار قبلها بأقل من عام، وبالتحديد يوم21 آب 2006، ولم يسمع احدٌ برحيله ولم تشيعُهُ إلاّ طيور الحدائق الحاضنة لأكاليل البنفسج والقدّاح والعابقة بالعطر وماء الورد، وهذه الأبيات التي قلتُها فيه:
    لا تحملوهُ إلـــــــــى مثواه واتئدوا هذا المسجّى غريبٌ ما له أحدُ
    تبكي الرياحُ عليه حيــــــن فارقها وجهٌ، أطلَّ عليه الواحدُ الصمدُ
    هامتْ به تحمل الأطيــــار بسمتَهُ وأنجُم الليل في أعتابه سجدوا
    هوى (نزار) فضاعتْ في عوالمه صحائفٌ ما لها عدٌّ ولا عَددُ
    أينَ العلومُ التي في صدره ائتلقتْ أما تزالُ بفيض الصبح تتقدُ؟
    والأرضُ يابسةٌ حتى إذا ارتجفتْ فربمّا من بقايا ضوئه تلــــدُ
    وبالختام أودُّ الاشارة الى أن مدفن نازك بمدينة القاهرة وإجراء مراسيم الصلاة عليها ودفنها، هو جزء مما تحمله هذه الأسرة من مفردات التسامح التي لا تتوقف على المراسيم والملتقطات، بل همُّها وجه اللّه ونورُهُ. وهو القصد في نهاية المطاف.
    رحم اللّه نازك وعائلتها، وحفظ مَنْ بقي منهم


  2. #2
    الصورة الرمزية ** رغد **
    ** رغد ** غير متواجد حالياً شطوط حاط عينه على الوزاره
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    العراق / بغداد
    المشاركات
    14,385

  3. #3
    الصورة الرمزية نابليون العراقي
    نابليون العراقي غير متواجد حالياً ʆ ʆ ألله . الـوطـن . مجتمع شــط العرب ʆ ʆ عضوية الـVIP المدفوعة الثمن

    تاريخ التسجيل
    Nov 2009
    الدولة
    في مكان الداخل فيه نادم و الخارج منه نادم
    المشاركات
    99,946

    افتراضي


    عاشت اناملكِ بما خطت من جميل العبارات

    أحترامي و ودي
    روعه ما تبدعون


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    iraq
    المشاركات
    2,433

    افتراضي

    شكرا على النبذة المفصلة عن الشاعر العراقية الكبيرة نازك الملائكة
    وشكرا على المجهود المتميز
    ودي


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    الدولة
    بــابــل
    المشاركات
    1,283

    افتراضي

    مشاركة رائعة

    وختيارٌ مميز

    شكراً

    للمجهود

    ننتظر القادم

    تحياتي


+ الرد على الموضوع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك